جوزيه عبد غالي، لبناني مكسيكي، ملاّح، صائغ، وخبير آثار. من مدينة جبيل حيث مخرت مراكب الفينيقيين عباب البحور لتصل الى أصقاع العالم. هاجرت عائلته وهو في الرابعة من عمره الى المكسيك حيث عاش عقدين من الزمن في بحبوحة الى ان عاد الى لبنان رغبة منه في إقامة متحف يعرض فيه ما حصله خلال حياته من مقتنيات أثرية رومانية وإغريقية وبيزنطية... فكان متحف في جبيل صنفته منظمة «يونسكو» كواحد من أجمل المناطق الأثرية في العالم، ومنحته الدولة اللبنانية أوسمة تقديرية. في عام 1948 عاد جوزيه الى ربوع لبنان، وانطلاقاً من شغفه بكل ما هو ثمين افتتح محلاً للمجوهرات المميزة في وسط بيروت. وشرعت أبواب الشهرة أمامه عندما تعرف الى أحد الجنرالات الفرنسيين الذي عرفه من خلال زوجته الى سيدات المجتمع الراقي فكان لمجوهراته المميزة كل الأثر في إقبالهن عليه ما أدَّى الى إزدهار أعماله ومهنته. ومن هنا انطلق جوزيه الى جبيل باحثاً عن الأحجار الكريمة و»الأميتيست» والمرمر والأصداف المميزة ليطلع بتصاميم رائعة، واستكشف سبعة كهوف بين الصخور واستثمرها سياحياً ووضع فيها الجرار الفخّارية القديمة والتماثيل والقطع الأثرية من رومانية وبيزنطية، وطبعاً أدوات ووسائل الصيد القديمة التي لم يعد لها وجود اليوم... وكلها انتشلت من قاع البحر خلال السنوات الطويلة التي عاشها بين المكسيك ولبنان. على مدخل متحف «بيبي» ثبتت لوحة تاريخية تؤرخ لمنح «بيبي عيد» درع «يونسكو» التذكاري سنة 1997 بعد ان صنف متحفه من أهم المناطق الأثرية في العالم، وكان ذلك خلال احتفال حضره مدير المتاحف في المنظمة فريديريك ماريو. ونجد على مدخل المتحف منصة تجمع الدروع والميداليات والشهادات التي نالها جوزيه، وأهمها وسام الأرز من رتبة فارس في عهد الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية، ووسام من رتبة ضابط قلده إياه رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود. وكانت الحكومة المكسيكية منحت جوزيه لقب «ممثل المكسيك للسياحة في الشرق الأوسط». وضمن مجموعة «بيبي» هناك جرار فينيقية وإغريقية وفارسية يعود عمر بعضها الى 5000 سنة، إضافة الى عقود وحلي نادرة مما استخرجه من قاع البحار عندما كان في ريعان الشباب فصنعها لتصبح قلائد لا مثيل لها، ومجموعة تماثيل مصرية نصفية برونزية وتمثال باخوس وملكة بحر اليونان، إضافة الى مجسمات لسفن وقطع بحرية ولوحات نادرة ومجموعة خزفيات. فضلاً عن ياطر من الرصاص على شكل قوس مثقوب زنته 350 كلغ. كان «بيبي» قد اتخذ قراراً بمنح متحفه هبة للدولة اللبنانية بعد مماته مع العلم ان الدخول مجاني ومفتوح للجميع. واليوم بعد رحيل «الختيار» الى دنيا الحقّ، يستقبل أولاده زوار المتحف ببشاشة ويخبرونهم عن رجل تسعيني جال البحار بالقبعة البحرية البيضاء التي وضعت في واجهة زجاجية وسط المتحف تحيط بها صور رحلات «بيبي» وزيارات كبار الضيوف العالميين لمتحفه وكذلك مطعمه الذي يتربع اليوم على شاطئ ميناء جبيل.