لم تغب الذكرى الحزينة التي مرت على مدينة جدة أخيراً دون أن يكون لها حضور في ذاكرة الشعراء وإيجاد معادلها الموضوعي الذي يوظفونه مقابل ما تختلجه نفوسهم وما يشعرون به، وهكذا فعل الشاعر مسفر الغامدي أحد أبناء جدة الحزانى في الأمسية الشعرية والتي شاركه فيها عيد الحجيلي وزينب غاصب مساء أول من أمس في نادي جدة الأدبي. يقول الغامدي في نص حمل اسم المدينة ذاتها: خاطبتني كما خاطب إلهٌ صوفيا:/ إن بحري واسعٌ خاطبتها كما خاطب صوفيٌّ إلهه/ ولكن مركبي صغيرٌ/ قالت لي: لا أطلب منك أن تغوص عميقا/ أن ترفع يدك بعيدا/ تكفيك كلماتٌ/ بضع كلماتٍ/ نوارس وشتاء دافئ يترنم بأغنيةٍ منسيةٍ. والمتتبع لتجربة الغامدي يجد في نصوصه الأخيرة تحولاً كبيراً من الشكل الكلاسيكي والتفعيلي إلى الشكل الجديد قصيدة النثر والذي ألقى كل قصائده منها يقول في نص الشاعر والذي أهداه للشاعر الكبير محمد الثبيتي (شفاه الله). يرقد على السرير الأبيض بذاكرة بيضاء/ شعره أصدقاؤه لغته الشاهقة/ التي تسلقها طويلا/ الأزقة التي مارس فيها تفرعه واستطالاته/ الرمال التي عرش فيها كقصاص/ يبحث عن أثرٍ/ كل ذلك لم يعد في حاجة إليه/ لقد أحرق مراكبه خلفه هو ابن لحظته وابن صمته. في جانب آخر، أتت اللغة مطواعة بين يدي الشاعر الحجيلي الذي أبدع في صناعة قصائده على الشكل التفعيلي والذي أنعش ذائقة الجمهور المعدَّة سلفاً يقول الحجيلي في نص مناضل: بعد أن ضجّت الريح في هدأة الطقس/ واتّزر الأفق بالهمهمات/ وآي الغبارْ عبّ خمر اليمين بكأس اليسارْ. كما نسج الحجيلي في نصوص قصيرة استثمر جل أفكارها بذكاء واصطاد ما يجده العاشق في معشوقه يقول في نص هما: آياته صمتٌ ومحبرةٌ/ وطاولةٌ يخايل في مفازتها الضنى/ أطلالَ أمجاد العبارةْ آياتها/ صخبٌ ومعصرةٌ ومرآةٌ تدوزن في وضاءتها/ جلال الاستدارهْ». فيما تناولت غاصب المشاعر والوجدان ونادت بصوتها عالياً: يا حب:/ أين المحبون إذ غادروك بعيدا/ وماتوا بأرواحهم مقبلين؟/ ونحن نعيش على هامش من تواريخ اسمك/ ويلهو الخليون في ذيلك مدبرين؟/ تعرى الزمان على باب مجدك/ وشق المراءون أثواب جلدك/ وجاء الحفاة بك لاعبين. وانحدرت بعض المفردات القاموسية في نصوصها الأخرى وتكررت مفردة «غبي» في غير مكان من النصوص. تقول في نص تهامية: في مهجتي/ صدق كل النساء/ وفي ثورتي/ موج بحر عتيّ/ يسف المواجع/ سفا قصيا أحب جنوني/ وأهوى غرامي/ وأنثر منه بياضي كتاباً ينوء به الحب/ حتى يغيض النوايا/ ويفضح بالصمت صدراً غبياً. يذكر أن الأمسية تعد الثانية في رصيد برنامج ملتقى الشعر منذ بداية الموسم الجديد وأدارها احمد قران وحضرها عدد كبير من محبي الشعر من الرجال والنساء وعدد من وسائل الإعلام المختلفة.