استعداداً لتنفيذ «صفقة غزة».. مصر ترفع الطوارئ لإعادة فتح معبر رفح    «حرس الحدود» بعسير تحبط تهريب 495 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    يزيد الراجحي يصنع التاريخ كأول متسابق سعودي يحقق لقب رالي دكار    أرقام قياسية في الهلال بعد تساعية الفتح    بيرجوين يعلق بشأن إصابته    جمعية التوعية بأضرار المخدرات في جازان تقيم معرض "دن وأكسجين"    «السديس»: الوقاية والتحصين طريقٌ لتجنب الضرر والمرض    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    نيمار يرحب بالبقاء مع الهلال    انطلاق المؤتمر الإقليمي للاتحاد العالمي لطب الأسنان في الرياض    إحباط تهريب 3 ملايين حبة «كبتاجون» وردت في إرسالية «منتجات إنارة LED»    في قضية فساد..السجن 14 عاماً بحق عمران خان    إجلاء المئات جراء اندلاع حريق في مصنع تخزين بطاريات بكاليفورنيا الأمريكية    وزارة الداخلية تختتم مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج في نسخته الرابعة بمحافظة جدة    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب محافظة بوشهر الإيرانية    الذهب يحافظ على مكاسبه وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية هذا العام    أمطار خفيفة على أجزاء من المناطق الجنوبية تمتد إلى مرتفعات مكة    فريق أمل وعمل ينفذ مبادرة تطوعية في مؤسسة رعاية الفتيات بجازان    مركز التنمية الاجتماعية في جازان ينفذ فعاليات ترفيهية للطفل بمناسبة يوم الطفل الخليجي    ثنائية المدّ والجزر تضبط موعد الشِّعر في جازان وفرسان    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بكاء الجماهير    HMPV فايروس «الطائر المتبدل»    لأول مرة في العالم.. «التخصصي»: زرع مضخة قلب اصطناعية باستخدام الروبوت    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    برايتون يحقق انتصارا طال انتظاره أمام إبسويتش    مانشستر يونايتد يقلب الطاولة على ساوثهامتون ب «هاتريك» ديالو    هل يجب إلزام الأطباء باستشارة الذكاء الاصطناعي    أمر ملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    حي الطريف يُطلق فعالياته وتجربة "850ه" في موسم الدرعية..    لا الخطيب مفوّه ولا المفوّه خطيب    جزء من النص (مخلوع) !    الاتحاد يتغلّب على الرائد برباعية في دوري روشن للمحترفين    مجلس الأمن الدولي يدعو للإسراع بتشكيل حكومة في لبنان    رعاية كبار السن.. نموذج إنساني للعدالة الاجتماعية    «سلمان للإغاثة» يوزّع قسائم شرائية على 932 مستفيدًا في حلب    اضحك على نفسك    عبد الله كامل يزور جناح «دلة البركة» في مؤتمر ومعرض الحج 2025    صفقات مليونية واتفاقيات شراكات بين كبرى شركات مؤتمر ومعرض الحج بجدة    «الغذاء والدواء» : منع استخدام المادة (E127) في الحلويات منذ 2019م    وزير الصناعة يطلق مبادرة «القيادات الشابة» في قطاع التعدين    متحدث أمن الدولة: السعودية لم تكن يوماً أداة لخدمة الأهداف الخارجية    برعاية أمير جازان.. انطلاق حفل موسم "شتاء جازان 25" غدًا الجمعة    المتحف الدولي للسيرة النبوية يوقع اتفاقيات استراتيجية    لأول مرة في العالم.. "التخصصي" يزرع مضخة قلب اصطناعية بدون شق الصدر باستخدام الروبوت    آل الشيخ : الإسلام دين راسخ لا تهزه محاولات التشويه والمملكة ستبقى صامدة ومخلصة في الدفاع عنه    شركة HONOR تُطلق Magic7 Pro في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المستقبل هُنا مع ميزات الذكاء الاصطناعي وأحدث الابتكارات في عالم الهواتف الذكية    «الإحصاء»: التضخم ينخفض إلى 1.9 %    مدير الأمن العام: أمن وسلامة ضيوف الرحمن ركيزة أساسية    سعود بن بندر يطلع على جهود الأمر بالمعروف بالشرقية    إستراتيجية لتعزيز السياحة البيئية بمحمية الملك عبدالعزيز    أمير القصيم يؤكد على السلامة المرورية    "الداخلية" تستخدم الذكاء الاصطناعي في خدمات الحج.. المملكة نموذج عالمي في تسخير التقنية لخدمة الإنسانية    تعزيز مكانة محمية الملك عبدالعزيز البيئية والسياحية    محمية الملك عبدالعزيز تطلق إستراتيجية لتعزيز مكانتها البيئية والسياحية    3000 موقع جديد في سجل التراث العمراني    السعودية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتثمن الجهود المبذولة من قطر ومصر وأمريكا    هدنة مشروطة تحت الاختبار في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصعود الآسيوي وأعمدة الحكمة الغربية السبعة
نشر في الحياة يوم 14 - 01 - 2010

 أصدر المركز القومي للترجمة في مصر أخيراً الترجمة العربية لكتاب الباحث والديبلوماسي السنغافوري كيشور محبوباني The New American Hemisphere: The irresistible shift of Global Power to the East «العالم الأميركي الجديد: تحوّل لا يقاوم للقوة العالمية نحو الشرق» يبدأ من مقدمة مفادها أن بعد صعود الغرب حول العالم سيأتي صعود آسيا بتحول مهم مماثل، وعلى هذا، فإن السؤال المحوري الذي يناقشه الكتاب، إلى جانب قضايا أخرى متصلة، هو: لماذا صعدت آسيا؟ في إجابته يشير إلى أن صعود الغرب حدث بسرعة شديدة خلال المئتي عام الماضية. ولما كان لآسيا التي تمتلك أكبر نصيب من السكان، أعظم نصيب من الاقتصاد العالمي، فإننا لا نُدهش من الدراسات التي تقول إنه مع عام 2050، فإن ثلاثة من أعظم أربعة اقتصادات في العالم ستكون آسيوية، وبهذا الترتيب: الصين، الولايات المتحدة، الهند واليابان. وعلى هذا، فالكتاب يناقش الصعوبات التي سيواجهها الغرب في التكيف مع هذه التغيرات.
وفي رصده وتفسيره لعوامل الصعود الآسيوي يعتبر كيشور محبوباني أن المجتمعات الآسيوية لا تنجح الآن لأنها أعادت اكتشاف بعض جوانب القوة الخفية لحضاراتها، ولكن لأنها وعبر عملية مؤلمة اكتشفت أخيراً أعمدة الحكمة التي مكنت الغرب من تعدي أداء المجتمعات الآسيوية خلال المئتي عام الماضية. هذه الأعمدة السبعة هي: الأخذ باقتصادات السوق، وكانت الصين هي أفضل معمل لدراسة تأثير مبادئ السوق الحرة، ففي النصف الثاني من القرن العشرين طبقت الصين بقوة متساوية كلاً من النماذج المتقدمة للنمو الاقتصادي والتخطيط المركزي واقتصاديات السوق الحرة، وحين كسب ماوتسي تونغ السيطرة الكاملة على الصين عام 1949 طبق بقوة كبيرة نموذج التخطيط المركزي الذي تعلمه من الاتحاد السوفياتي ولم يكن هذا فشله، فالنظام السياسي الذي قدمه ماو للصين بعد قرن من الغليان السياسي أدى إلى زيادات في الإنتاجية الزراعية والصناعية، غير أن السخرية الكبيرة لتاريخ الصين الاقتصادي هي أن الصين اختبرت القفزة الكبرى إلى الأمام ولكن فقط بعدما هجرت مبادئ ماو في التخطيط المركزي وأدخلت اقتصادات السوق الحرة، وكثير من الناس علموا عن نمو الصين المدهش ولكن القلة فقط فهمت فعلاً المعدلات المتفجرة التي نما بها الاقتصاد الصيني.
أما العمود الثاني من أعمدة «الحكمة الغربية» التي استوعبها الآسيويون، فيتمثل في العلم والتكنولوجيا، ويفسر تحرير الروح الإنسانية في آسيا ولماذا يستوعبون بشغف عظيم هذا العمود الثاني. ولا يعرف تماماً لماذا قفز الغرب إلى الأمام ولكننا نعلم بعض اسباب تراجع آسيا إلى الخلف: إطار عقلي يزدري العالم المادي، وافتقار إلى الاعتقاد بفكرة التقدم الإنساني، وخضوع طبيعي للسلطة وافتقار الى التساؤل النقدي، حيث بدت الفجوة بين العقل الغربي والعقل الآسيوي أبدية.
ولهذا من المذهل أن نرى الدرجة التي سيطر بها الآسيويون في العلم والتكنولوجيا، فالعقل الآسيوي الذي كان يبدو معوقاً في هذا المجال اندفع في شكل غامر نحو العلم والتكنولوجيا، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2006 نشرت مجلة «تايم» مقالة عن «تجربة آسيا العظيمة في التجربة العلمية»، تتنبأ بأنه مع 2010 سيكون 90 في المئة من الحاصلين على درجة الدكتوراه في العلوم والهندسة يعيشون في آسيا. فإذا تحققت هذه النبوءة ستمثل تحولاً ضخماً في الخبرة العالمية في مجال العلم والتكنولوجيا.
كما تضمنت المقالة أن حكومات الأمم الآسيوية زاد إنفاقها على العلوم، ما جذب الكثير من الباحثين الآسيويين الذين كانوا يعيشون في الغرب إلى أوطانهم، في الوقت الذي ركدت موازنات العلم في بعض البلدان الغربية. وكان الانفجار الآسيوي في العلوم والتكنولوجيا نتيجة لبعض القرارات الحكيمة، فقد كان رئيس الوزراء الهندي السابق جواهر لال نهرو لامعاً وله جاذبية القائد الذي ساعد في تأسيس أول معهد هندي IIT في طارغابور قرب كلكوتا العام 1951 ثم تطورت بعد ذلك 6 معاهد أخرى.
وتمثل الجدارة Meritocracy العمود الثالث في النهوض الآسيوي وهي مبدأ بسيط في شكل مدهش، تعتبر أنه ما دام كل فرد في المجتمع هو مصدر كامن، فإن الجميع يجب أن يعطوا فرصة متكافئة لتطوير المجتمع، وعلى هذا، فإن أي موهبة يجب ألا تهمل.
والعمود الرابع للنهضة هو البراغماتية Pragmatism، فقد كانت اليابان أول بلد في التحديث لأنها، بملاحظتها أوروبا وهي تستعمر معظم العالم، قد تحققت بسرعة من أن عليها أن تغير وأن تتكيف. وكان إصلاحيو عهد الميجي ناجحين في شكل بارع في تطبيق أفضل الممارسات الغربية، وبزغت اليابان كقوة كبرى، فلماذا نجحت في تطبيق أفضل الممارسات الأوروبية؟ هنا أيضاً إجابة بسيطة هي أن اليابان كانت براغماتية في شكل كامل. وكان التعامل في اليابان مع تحدي التحديث من دون مفاهيم ايديولوجية فأخذوا أفضل الممارسات الغربية وأبدوا استعدادهم لأن يخلطوا ويسايروا أفضل التطبيقات بطريقة انتقائية وبالروح البراغماتية نفسها.
أما العمود الخامس الذي قام عليه صعود آسيا، فهو ما يسميه محبوباني صمت المدافع في المنطقة وهو ما استوعبته آسيا من الحكمة الغربية، فثقافة السلام أثرت في العلاقات بين الأمم الغربية منذ نهاية الحرب الثانية، وباعتبار مئات السنين من الحروب بينهم، فإن من الأمور المثيرة أن كل الدول الغربية وصلت إلى قمة الإنجاز الإنساني، ليس فقط من نقطة الصفر في الحروب ولكن من نقطة الصفر في احتمالات الحرب بين أي من الأمم الغربية.
تعلمت الصين من النموذج الإيجابي والنموذج السلبي للاتحاد السوفياتي والذي تفجر لأسباب عدة من بينها قرار التركيز على التطور العسكري بدلاً من التطور الاقتصادي، ولذلك قررت الصين أن تفعل العكس تماماً.
ويمثل حكم القانون Rule of law العمود السادس للحكمة الغربية الذي تبنته آسيا، ففكرة حكم القانون تقف في العقل الآسيوي ضد ميول الشخص الفطرية، فمعظم الآسيويين عبر القرون افترضوا أن الطبقات الحاكمة فوق القانون الذي كان يعني في عقول الطبقات الحاكمة جعل الرعايا يلتزمون النظام. وعلى العكس بالنسبة الى العقل الغربي، فإن حكم القانون هو أن يحمي المواطن من الاستخدام التحكمي لسلطات الحكومة وفي ذلك تطبيق لقيمة محببة هي قيمة العدالة. والآن، فإن الآسيويين يتحولون إلى حكم القانون ليس لأسباب أخلاقية ولكن في المقام الأول لدواع وظيفية.
ويختتم محبوباني سرده لأعمدة الحكمة السبعة التي تبنتها آسيا بالتوقف عند التعليم، فالآسيويون تبنوا فضائل التعليم الغربي لوقت طويل على رغم أن وصول التعليم الى الجماهير يعد ظاهرة حديثة نسبياً.
وتركيز محبوباني على اعتماد آسيا في صعودها على أعمدة الحكمة الغربية أخذ عليه أنه أهمل مقوماً مهماً ما زالت آسيا تحافظ عليه، وهو القيم الآسيوية، حيث ما زالت القيم الثقافية التقليدية من مقومات النهضة اليابانية، وهو ما ينطبق على الصين التي حرصت على أن تصبغ تجربتها في التحديث بالخصائص الصينية.
غير أن أخطر ما يثير محبوباني في علاقة الصعود الآسيوي بالغرب قوله إن مسيرة القرن الحادي والعشرين ستتحدد بمدى استجابة الغرب وتعايشه مع الصعود الآسيوي، إذ يواجه الغرب الخيار بين بديلين: إما أن يتقبل انتشار التحديث واستمرار العمل مع آسيا في اتجاه انفتاح النظام العالمي، أو أن يشعر في شكل متزايد بالتهديد مع نجاح آسيا وأن يبدأ في التراجع نحو قلعته سياسياً واقتصادياً. ويتوقع محبوباني أن آسيا والغرب سيتوصلان إلى فهم مشترك لطبيعة العالم الجديد، فالحاجة إلى مثل هذا التفاهم لم تكن أهم مما هي اليوم، إذ يدخل العالم في أكثر اللحظات سيولة في التاريخ. ونحن نتوقع أن البديل الأول هو الذي سيسود، بدليل التداخل الشديد بين اقتصادات الغرب واقتصادات كيانات آسيوية كبيرة مثل الصين.
* المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.