إلى عبدالعزيز السِّبيل لا مفتاحَ معي، ولا باب أطرقه سوى فراغ الحبر المسفوح فوق كتابي؛ كتابي الذي لوّحَته يميني، فتشاغلت عنه شمالي لا صورة أستدلُ بها، ولا عنوان يعبر بي إلى ضفةٍ آمنة، ولا ملااً ألوذ به غير قلبي؛ حبيباتي النائمات على مهجة القلب، غَيبْتُهم من إشراقة شهر صومٍ تمادى هلاله خجلاً من شرفات مسلاتي. هل كنت مارقاً حدّ الجرح وهل كنت حاذقاً حدّ البلادة حين حفرتُ بمعولي أرضاً دارسةً ومغيبةً من حياة أسلافي، أم كنتُ أعمى قادتني رُقُمي بعكازاتها الطينية في ليلٍ بهيم؛ غابت النجوم خلسةً من سماواتي، وسقطت الشهب بغتةً في حروف كتابي، وهو يتلظى بحرارة النار زالبة للطين، حتى التعاويذ الملفوفة بالرموز والصور والكلمات، تلك ألواح لامسها اللهبُ فنامت في ملكوت الجِرار مغمورة بأسرارها. هكذا كنتُ أعدو نحوكَ، لا متطلباً ولا مستجدياً ولا عابراً، لكنكَ النجم وهو يهتدي ويُهدي لمتعثر مثلي بحروفه على صفحات صحراءٍ خبّ دليلها وحاديها بقافلة الأسفار. أبوح لكَ الآن بما ليس بسرٍّ خبأته بكأس ماءٍ بارد، أروج به وأطفئ ظمأي وأنا شارد الفكر مشلول الفؤاد، لجرمٍ لم أقترفه أو تقترفه يدي، وهي تلطخ الجدار بأصابعي العشرة، وسواد اللحظة الصامتة. لم تمر أصابعي أو أمررها على سواد اسمي، الذي أمحوه من كثر ما صبغتُ بحبرهم تاريخ ميلادي، وهو يدوّنُ على ورقٍ غُلّفَ بعناية من كظم حسرتي. أبوح لكَ الآن، ولم أخلف الوعد أو العهد الذي بيني وبينك تلك مواثيق وعهود الزمن الشارد من مسرّات أسفارك وأيامك ولياليك البهيجة، وهي تُمرر الحروف لأوراقٍ ستبتهج لاحقاً برسمك وصبغة حبرك، وهم يتباهون به بأمسياتهم ومساءاتهم الباردة. هل كنتَ حقاً، أنت رجلهم؟ وهل كنتَ حقاً أنت أولهم؟ وهل كنتَ حقاً فارس الشاردة من المفردات الهاربة؟ هل خُذلتَ أو خَذلتَ، أم خذلوك؟ ماذا تود أن تكون بما أنت به........! لا أظنك الآن غير الشاهد الوحيد لبؤسهم ويتمهم؛ لا أبوة تُرتجى، ولا أبا الطيب تلوذ به، هم وحدهم من يحلو لهم اللهو ببقايا العهود؛ أما مواثيقك لي وعهدي كما عاهدتك؛ قرب وسادتي يمرُّ صوتك خافتاً: نام قرير العين.