تساءلت ولبضع دقائق يوم الأحد الفائت، ما الذي كان سيحدث لو كنت أقرأ تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ألقاه في هاواي بدلاً من أن أستمع إليه. لقد اقتطع الرئيس الأميركي وقتاً من إجازة عيد الميلاد للحديث عن الحادث الذي وقع على متن الطائرة المتوجهة من أمستردام إلى ديترويت، لو لم أكن سمعت صوته ورأيت صورته، لاعتقدت أن المتكلم لم يكن سوى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. فماذا حدث لأوباما في أقل من سنة واحدة؟ على العكس من أي من خطاباته السابقة، تحدث أوباما خارج النص تماماً باستخدام كلمة «الإرهاب» ثلاث مرات في تصريح لم يستغرق سوى بضع دقائق، وحتى هذه الحادثة، كان أوباما يفضل استخدام كلمة «الراديكالية» أو «التطرف» أكثر بكثير من كلمة الإرهاب والإرهابيين المشحونة سياسياً. ما جعل التصريح يبدو أكثر شبهاً بخطاب الرئيس بوش بدلاً من أحد خطابات أوباما المعهودة هو الإشارة إلى هدف المهاجمين المعادين للأميركيين، فكان على أوباما أن يقول ما يأتي: «هذه المؤامرات ضدنا لا تسعى إلى تقويض أمننا فقط، ولكنها تسعى أيضاً إلى تقويض المجتمع المفتوح والقيم التي نعتز بها كأميركيين». من الواضح أن أوباما استسلم لضغوطات اليمين الذين وصفوا مراراً أي هجوم ضد الولاياتالمتحدة بسبب سياستها الخارجية كهجمات ضد «المجتمع المفتوح» الأميركي و «القيم» الأميركية. ماذا حدث للرئيس أوباما؟ هل لأنه ببساطة صُدم من حقيقة أن الناس حول العالم يجرؤون على مهاجمة أميركا فوق ترابها الوطني على رغم مواقفه الإيجابية من العالم؟ هل لأنه كان غاضباً جداً بحيث إنه لم يقدر أن يدرك أن قراره الخاص بتكثيف الوجود الأميركي في أفغانستان سينتج حتماً عنفاً مناهضاً للأميركيين؟ خلال زيارة أوباما إلى القاهرة، وخطابه إلى العالم الإسلامي، كان موقف ونبرة صوت ابن الزعيم المسلم الأفريقي قد لاقى ترحيباً على نطاق واسع، وفي الواقع إن رد الفعل العالمي لأوباما للأشهر الأولى من ولايته كان إيجابياً للغاية في شأن الاتجاه الذي يعتزم اتخاذه في خصوص القضايا الرئيسة في السياسة الخارجية. إن تعيين أوباما السناتور جورج ميتشل، مبعوثاً شخصياً له لمنطقة الشرق الأوسط ودعوته لإغلاق معتقل غوانتانامو خلال السنة الأولى من عمله في المكتب، اعتبرا إشارة إيجابية نحو التغيير، وموقف أوباما العلني، فضلاً عن موقف وزير خارجيته، في معارضته التامة لأي نوع من الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية إذ اعتبرت نسمة من الهواء المنعش في واشنطن، لكن هذه الإشارات ستنهار بسرعة، خصوصاًَ في ما يخص فلسطين، وسياسة الولاياتالمتحدة الخارجية ستتراجع مرة أخرى باتجاه إسرائيل، وكان هذا واضحاً من خلال أسلوب أوباما وهيلاري كلينتون في تراجعهما عن الدعوة إلى تجميد كلي للمستوطنات. كان التراجع واضحاً أيضاً عندما مارست الولاياتالمتحدة ضغطاً سياسياً على الرئيس الفلسطيني في محاولة منها لإلغاء تقرير غولدستون، وكان من المتوقع أن يقدم المحكمون الدوليون الدعم بدلاً من معارضة إجراءات محامي جرائم الحرب البارز في جنوب أفريقيا مثل ريتشارد غولدستون الذي لا تشوبه شائبة. إن البحث في ما حدث لأوباما منذ أوائل أيامه المفعمة بالأمل يمكن العثور عليه في خطابه الرئاسي. قضية واحدة عبّر عنها أوباما ومبعوثه الشخصي بوضوح خلال تلك الأشهر الأولى الحاسمة وهي الحاجة الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، واللغة المستخدمة في دعم مثل هذا القرار السياسي لم يسبق لها مثيل بسبب التركيز المكرر بأن إقامة دولة فلسطينية هي في صلب «المصلحة الوطنية» للولايات المتحدة الأميركية.خلال حملة الانتخابات الرئاسية، هاجم المرشح باراك أوباما بوش لما اعتبره إطلاقاً خاطئاً للحرب الخاطئة ضد العراق، وكرر أوباما مراراً وتكراراً أنه في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، حاد بوش بعينيه عن الكرة بمهاجمته العراق بدلاً من أفغانستان. ومن المؤكد أيضاً أن أوباما، الذي كان يُنظر إليه في كل أنحاء العالم بأنه بدأ مسيرته بخطوة صحيحة في ما يتعلق بالشرق الأوسط، قد ابتعد من مساره خلال مناقشات الرعاية الصحية والمناقشات الداخلية في شأن نشر القوات، ويعتقد البعض الآخر أن أوباما قد سمح لبعض الموظفين الموالين لإسرائيل والمستشارين أمثال رام ايمانويل ودنيس روس بإدارة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي. فإضافة مزيد من القوات إلى حرب لا يمكن كسبها لا تساعد أيضاً في القضاء على الدوافع لاستمرار الهجمات ضد الأميركيين. إن المراقبين للصراع في الشرق الأوسط يصرون على أن استمرار محنة الفلسطينيين ومعاناتهم من الظلم على أيدي الاحتلال الإسرائيلي هو مصدر للغضب والإحباط للملايين حول العالم، ومنع المزيد من الهجمات ضد أهداف أميركية لن يتم بالقوة العنيفة، فالقوة الناعمة ودعم العدالة والحياد في الشرق الأوسط، ستوفر حماية أفضل بكثير من الماكينات الفاحصة للأجسام وكفاءة عمل الاستخبارات. إن المرشح أوباما، وكذلك الرئيس أوباما في أول مئة يوم له، لم يستطع أن يرفع عينيه عن الكرة، وإذا كان عام 2009 سيتم تقويمه بإنصاف في ما يتعلق بقضية فلسطين، فإنه سيكون من السليم القول إن أوباما قد حول عينيه عن مسألة هي من صميم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. * كاتب وصحافي فلسطيني