الكولة والأرغول والمزمار والمقرونة، كلها أسماء لعدد من آلات النفخ المصرية القديمة المتوارثة عبر الأجيال التي ما زالت تستعمل حتى اليوم. وقد اختارها الفنان السويسري دومنيك هوبر لتكون محور معرضه الفوتوغرافي المقام حالياً في مقر المركز المصري للثقافة والفنون في القاهرة «مكان». والمعرض نتاج تعاون بين المركز المصري ومؤسسة «بروهلفتسيا» الثقافية في القاهرة. ويقدم هوبر مجموعة من الصور الفوتوغرافية يسجل من خلالها عملية تصنيع عدد من هذه الآلات الموسيقية، بعد مشروع استمر عامين من البحث والعمل الميداني المشترك بين الباحثين في المركز المصري للثقافة والفنون في القاهرة ودومينيك هوبر أثناء فترة إقامته في مصر. وذلك بدعم من المكتب الإقليمى للمؤسسة الثقافية السويسرية. وهذه ليست التجربة الأولى التي يخوضها هوبر مع آلات العزف المصرية. فسبق وقدّم مجموعة من الصور تناول فيها آلة العود وطريقة صناعتها، ساعده في إنتاجها أعضاء من «مكان» ممن كرسوا وقتهم لجمع المعلومات عن الموسيقى المصرية الشعبية. كما قام هوبر بجولة في الكثير من القرى المصرية التي تعد موطناً للحرفيين المبدعين لهذه الآلات، والذين توارثو صناعتها عن آبائهم وأجدادهم. ويعتبر هوبر أن آلات النفخ تساهم إلى حد كبير في تكريس أسلوب خاص تتميّز به أعماله التي تتناول الأشكال الموسيقية الشعبية حول العالم، وكيف تعيش وتتطور عبر العصور بدخول الممارسات الحديثة عليها. كما تطرح صوره أهمية الطبيعة بالنسبة لهؤلاء الفنانين والحرفيين الذين يمزجون بين الأدوات الحديثة والخامات الطبيعية والطرق المتوارثة في صناعة هذه الآلات التي تعود إلى المصريين القدماء. فما زال كل من آلات المزمار والأرغول والقرونة، تصنع من البوص الذي ينمو على ضفتي النيل. كما تتم معظم خطوات تصنيع تلك الأدوات والآلات يدوياً وفقاً لطرق التصنيع القديمة نفسها. وفي أحيان كثيرة يقوم العازفون بتصنيعها بأنفسهم. وحرص القائمون على المعرض ومشروع التوثيق على أن يحظى الحرفيون الذين يعيشون في الدلتا على ضفاف النيل ويعتمدون على موارده، ببعض من التقدير الذي يتمتع به النهر العظيم كأحد أهم الرموز الروحانية والثقافية والاقتصادية في مصر. فصاحب العرض حفلة موسيقية لعدد من الفنانين المحفاظين على هذا الموروث من خلال صناعة الآلات والعزف عليها. كما قدم المؤرخ الموسيقي السويسري شيل كيلر والدكتور محمد عمران محاضرة لمناقشة التراث الشعبي الموسيقي في مصر وسويسرا، في مقر المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة.