أَبَت سنة 2009 إلا أن تودّع مكانها في الزمان، بإنجاز إلكتروني ربما كفل لها مكانة تاريخية: صنع أول ترانزستور في التاريخ لا يتألف إلا من جزيء وحيد. ومنذ اختراع الترانزستور بيد العالِم الأميركي ويليام شوكلي في ثلاثينات القرن الماضي، دأب العلماء على تصغير حجمه، علماً بأنه حلّ محل أنابيب الكاثود المفرغة في الأدوات الإلكترونية. ولتبّين أهمية الأمر، يكفي القول ان الكومبيوتر الأول «إينياك» الذي صنع بالأنابيب المُفرغة، ملأ قاعة تفوق مساحتها ملعباً لكرة السلة. ومع الترانزستور، انخفض ذلك الحجم الى مساحة بضع غرف، ثم شرع يتضاءل باستمرار. وقبل بضع سنوات، اعلن عالمان أميركيان أنهما توصلا الى صنع ترانزستور من جزيئين، يبث أحدهما تياراً كهربائياً فيتلقاه الآخر، ما يتيح التحكّم في مسار التيار الكهربائي، وهو صلب عمل الترانزستور. وأعلنت مجموعة من العلماء في جامعة «يال» الأميركية و «معهد غوانغجيو للعلوم والتكنولوجيا» الكوري الجنوبي، انها توصلت لصنع أول ترانزستور في التاريخ، يتألف من جزيء وحيد. ونشرت تقريراً عنه في موقع مجلة «نايتشر» العلمية على الإنترنت. قاد المجموعة البروفسور مارك ريد، من جامعة «يال»، الذي بيّن ان وضع جزيء وحيد من البنزين على سطح من ذهب، يجعل منه ترانزستوراً متكاملاً، كذلك الذي يوضع في الكومبيوتر على شريحة السيليكون. (نفتح قوساً للقول بأن العالم العربي مملوء بالرمل الذي يُصنع منه السيليكون. ويحتوي على كثير من مناجم الذهب، إضافة الى امتلائه بالنفط). وتمكن العلماء من التلاعب بأحوال الطاقة في جزيء البنزين، عِبر التحكّم في شدّة الفولتات التي تسري في سطح الذهب، ما حوّله الى مستقبِل ومصدر للتيار الكهربائي في الوقت نفسه. ويعني ذلك انه يؤدي دور المصدّر للتيار الكهربائي عندما يكون في حال طاقة معينة، ثم يتحوّل فورياً الى حال أخرى، ما يمكّنه من استقبال التيار الذي أطلقه بنفسه! وتكون النتيجة ان ذلك الجزيء يستطيع منفرداً التحكّم بالتيار الكهربائي، عِبر إطلاقه واستقباله، ما يُمكّنه من النهوض بمهمات الترانزستور. ويرتكز هذا الإنجاز إلى بحوث البروفسور ريد نفسه، التي أجراها في تسعينات القرن الماضي، والتي اثبتت ان من الممكن الإمساك بالذرات والجزيئات عِبر التحكّم بالشدة الكهربائية في المسطح الذي ترتكز إليه. وفي التفاصيل ان الشريحة الإلكترونية، وهي العقل المُفكر الأساسي في الكومبيوتر، تتألف من مجموعات ضخمة من الترانزستورات. وكلما زاد عدد الترانزستورات، زادت قوة الشريحة، بحسب قانون مور المعروف، الذي رأى أيضاً ان ذلك يجعل الشريحة الإلكترونية أقل ثمناً. في الوضع الراهن، حيث يجب الاحتفاظ بمسافة ما، ولو انها بمقياس متناهية الصغر، تحتوي الشريحة الإلكترونية على بلايين الترانزستورات. كيف سيكون الأمر مع ترانزستور البنزين، حيث الترانزستور ليس إلا جزيئاً من البنزين قوامه ذرات كربون وهيدروجين. للمزيد من المعلومات، من المستطاع الرجوع الى موقع جامعة «يال» على الإنترنت «يال. إديو» yale.edu.