استيقظ الطالب عبدالله القاسم من النوم أمس، وعلى عجالة استعد للذهاب لمدرسته، لم يكن متأهباً للاختبار، وإنما ليسمع «بشرى» أن وفاة معلمه عبدالله القديحي، كانت مجرد خبر «كاذب»، وإن نقلته الصحف، مهدداً بكلمات طفولية بمقاضاة كاتبي الخبر، الذي أشاع خبر موت معلمه. ويسترجع عبدالله ذكرياته مع معلمه، فيقول باكياً: «التقينا قبل أسبوع بمعلمنا عبدالله القديحي في أحد المخابز، ومازحنا بقوله: «فطروني على حسابكم، فربما بعد أسبوع أو شهر أرحل عنكم». حمل عبدالله زهوره الملونة ومشى إلى مدرسة جعفر بن أبي طالب، فوجد زملاءه يحملون بأيديهم باقات الزهور، أحسّ قلبه الصغير بالخوف، لكنه سرعان ما أقنع نفسه أن رفاقه أحضروا الزهور تعبيراً عن «الحب» لا «الموت». أسرعوا جميعاً لمكتب معلمهم الذي زرع فيهم حب العلوم والتجارب العلمية، لكن الصدمة كانت أكبر من أن تستوعبها قلوبهم الصغيرة، فما كان منهم إلا أن تركوا زهورهم على مكتب المعلم، وفاءً بعد أن استسلموا للخبر «المؤلم»، وأشعلوا الشموع لمعلمهم، لأن ذكراه ستظل «متقدة» كما قال زملاؤه. وبجانب المكتب الذي تجمع حوله المعلمون والطلاب يتنهد مدير المدرسة حسين الصيرفي، قائلاً: «كان زميلنا القديحي مثالاً للمعلم النبيل، وكانت دماثة الأخلاق من أبرز ما يميزه». وبحسرة يستكمل حديثه: «كان القديحي منضبطاً في عمله، وحريصاً على استثمار كل دقيقة في الحصة الدراسية، ويؤدي كل حصصه في المختبر العلمي، وحبب طلابه في التجربة والاستكشاف»، مستذكراً كلمته التي يكررها لطلابه «أحسنت... شاطر»، مفيداً أن «القديحي حصل في تقويمه لهذا العام على الدرجة الكاملة بامتياز». واختتم بالقول: «فَقُده لا يعوض». على الطرف الأخر، يقف زميل عبدالله، هادي الصناع، أراد أن يتذكر معلمه، فقال عنه: «كانت حصته مميزة، وكان قادراً على إيصال المعلومة»، معاً يتذكران الكلمة التي يكررها دوماً: «وقت الجد جد، ووقت المزح مزح». وعبّر طلاب في مدرسة جعفر بن أبي طالب عن مدى حبهم لحصة العلوم، لأن «المعلم القديحي كان يعلمنا عملياً كيف نجري التجارب العلمية، وكان كالأب، نرى ابتسامته قبل كلامه». لم يعلمهم القديحي من خلال تجاربه أن المواد الكيماوية والأسلاك الكهربائية ربما تطاوله، وأن عشقه لها لن يثنيها عن قتله، والقديحي أب لأربع بنات. وكان لا يهتم بمشاهدة كرة القدم إلا في حالة واحدة، حين تمسك إحدى صغيراته بالريموت كنترول، لتبحث في قنوات التلفزيون عن قناة تعرض أفلام الكرتون، فيناكفها ممازحاً «بأنني أريد أن أشاهد مباراة». عبدالله وهادي عادا إلى منزليهما، ولسان حالهما مع بقية زملائهما: «فَقُد معلمنا خسارة عظيمة، فهو فعلاً مربي أجيال قدير». وسط سؤال حائر في النفوس: «من المسؤول عن الحسرة التي وجدت في قلوب الأطفال؟ وهل تتم تهيئتهم في أول أيام الاختبارات ب «دمعة فقد»؟. أمّا في مدرسة سلمان الفارسي الابتدائية، فالحاضر الغائب كان الطالب علي الغزوي (عشرة أعوام)، فعلى رغم غيابه عن المدرسة أمس، لكنه كان الأكثر حضوراً فيها، فعيون زملائه لم تغادر كرسيه وطاولاته في آخر الفصل، حيث كان موقعه، ربما لأن صورته وضعت على كرسيه، ودوّن أسفلها قصيدة كان مطلعها «للبين في دنيا الفناء ورود». ولا يزال أقران الغزوي بعيدون عن استيعاب حقيقة الموت، يقرون به، ولكن استيعابه عصي عليهم، وحضرت صورة علي وباقات الورد، وعبارات تصف كيف كان «مرحاً وخفيف ظل»، وبدا عليٌّ في إحدى الصور رافعاً إصبعيه بعلامة «النصر»، الذي ربما يكون انتصاراً على من أطفأ شمعته في وقت باكر. وقال أحد المعلمين: «كان الطلاب في انتظار مجيء زميلهم عليّ لكنه لم يحضر، بعد أن اغتالته يد الإرهاب، فحضر نيابة عنه الإحساس الصادق بالفقد». مواطنات القطيف: نقف مع ولاة الأمر صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب عبّرت سيدات المجتمع في محافظة القطيف عن استيائهن وحزنهن من العمل الإرهابي الذي حدث يوم (الجمعة) الماضي في مسجد الإمام علي بن أبي طالب ببلدة القديح، وراح ضحيته 21 شهيداً وأكثر من 100 مصاب. وأكدن أن ذلك العمل الشنيع لا يمت للإسلام بصلة، ويهدف إلى زعزعة الأمن والتلاحم بين المواطنين وولاة الأمر. وقالت مستشارة الحوار الوطني معصومة الرضا إن متتبع الهجمات الإرهابية يكتشف السياسة الخبيثة المتبعة لدى المجرمين، مبدأها زعزعة أركان الدين واستئصال شريان الأمة وانتهاك حرمة بيوت الله. من جانبها، استنكرت رئيسة إدارة سيدة الأخلاق بالقطيف خضراء المبارك العمل الإجرامي الإرهابي الذي ينتهك حرمة بيوت الله، وحرمة دماء المسلمين. بدورها، دانت رئيسة جمعية العطاء النسائية الخيرية في القطيف الدكتورة أحلام القطري العمل الإجرامي بالاعتداء على المصلين في مسجد بلدة القديح الذي أسفر عن إزهاق أرواح 21 شهيداً وإصابة نحو 100 شخص.