بغداد - «الحياة، أ ف ب، رويترز - أعربت الحكومة العراقية عن «الأسف وخيبة أمل» لقرار قاض فيديرالي أميركي اسقاط التهم عن عناصر شركة «بلاك ووتر» الامنية المتهمين بالتورط في مقتل أكثر من 14 عراقياً بإطلاق النار في بغداد في أيلول (سبتمبر) 2007، وتعهدت بمتابعة «اجراءاتها بكل حزم لملاحقة» المتورطين في الحادث. وأثار اسقاط القاضي الأميركي التهم عن عناصر «بلاك ووتر» غضب أهالي ضحايا الحادث، فيما اعتبر قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال راي اوديرنو ان «مقتل الابرياء يقض مضاجع الجميع». وأعربت وزارة العدل الأميركية عن «خيبة أمل» من قرار القاضي اسقاط التهم. وكان القاضي الفيديرالي ريكاردو اوربينا اعتبر ان «المدعين انتهكوا حقوق المدعى عليهم من خلال استخدام تصريحات أدلوا بها تحت الحصانة خلال تحقيق لوزارة الخارجية لفتح هذه القضية»، مشيراً الى ان الدستور الاميركي يمنع المدعين من استخدام «أقوال تم انتزاعها تحت تهديد فقدان الوظيفة» وخلص الى القول: «على المحكمة اسقاط كل التهم الموجهة الى المدعى عليهم». وقال الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ ان «الحكومة تأسف لقرار القاضي (...) لكنها ستتابع اجراءاتها بكل حزم وقوة لملاحقة الجناة من الشركة المذكورة وحفظ حقوق المواطنين العراقين من الضحايا وعائلاتهم». لكنه لم يوضح الوسيلة التي سيعتمدها العراق في ذلك. وتابع ان «التحقيقات التي اجرتها السلطات العراقية المختصة اكدت بشكل قاطع ان حراس بلاك ووتر ارتكبوا جريمة القتل وخرقوا قواعد استخدام السلاح من دون وجود اي تهديد يستدعي استخدام القوة». بدوره، قال قائد القوات الاميركية في العراق للصحافيين: «نعرف جميعاً ان من فعلوا ذلك لم يكونوا من الجنود او البحارة او المارينز. فالامر يتعلق بشركة امنية خاصة». وأضاف: «انني قلق حيال ردود فعل تستهدف الشركات الامنية الخاصة التي لا تزال تعمل في العراق. لا أرغب في حدوث ذلك». وعبر اوديرنو عن اعتقاده بأن العراقيين غاضبون بسبب قرار اسقاط التهم وقال في هذا الصدد: «طبعاً، لن يحبذوا ذلك لاعتقادهم بضرورة معاقبة» الذين ارتكبوا الحادث. وتابع: «انني قلق حيال هذا الامر لان من الواضح ان هناك ابرياء قضوا في هذا الهجوم. فمقتل الابرياء يقض مضاجع الجميع». وصرح الناطق باسم وزارة العدل الأميركية دين بويد قائلاً: «نشعر بخيبة الأمل بسبب القرار (إسقاط التهم)، ونحن نراجع الموضوع وندرس خياراتنا». غضب عراقي من جهتها، قالت وزيرة حقوق الانسان العراقية وجدان ميخائيل: «لقد اذهلني القرار. فقد روى احدهم ماذا جرى في ساحة النسور وكيف قتلوا عراقيين ابرياء كانوا داخل سيارتهم من دون اسلحة». وأضافت: «انتظر ان تسلمني السفارة الاميركية قرار القاضي كاملاً». وتابعت: «اعتقد ان كل عراقي غاضب. فما حدث كان أمراً سيئاً لان العديد من الابرياء قتلوا، بينهم شبان وطلاب اطلقت عليهم النار من اشخاص يحبون القيام بذلك. كان هناك الكثير من العمل لتقديم الشكوى ضد هؤلاء، ولا افهم كيف اتخذ القاضي قراره». وعبر محمد أسامة، وهو ابن لرجل قتل في الحادث، عن دهشته لحكم القاضي الاميركي. وأضاف: «لم أتوقع أن تبريء المحكمة هؤلاء القتلة. لكن ماذا بوسعنا أن نفعل؟ لا يمكننا أن نفعل أي شيء مع الحكومة الاميركية وقوانينها». ووصف ماهر حافظ، عم الطفل المقتول علي محمد حافظ (9 سنوات) ل «الحياة» قرار القاضي الاميركي اسقاط تهم القتل عن عناصر «بلاك ووتر» بأنه «مجحف ولا يتماشى مع ادنى قواعد العدالة والانصاف». وأضاف: «نحن عائلات الضحايا نستنكر هذا القرار القاسي والمؤلم لا سيما وقد منحنا كل ثقتنا وعلقنا آمالنا على مهنية وعدالة القضاء الاميركي». واستدرك: «يبدو ان ما نراه من افلامهم لا يمت بصلة الى واقعهم». واعتبر القرار «تمييزاً عنصرياً»، مشيراً الى ان «من دوافع القاضي في قراره اسقاط التهم حسابات عنصرية باحتقار الدم العراقي». وزاد: «جاء القرار في وقت تتم فيه اجراءات الحصول على سمة دخول لذوي الضحايا الى اميركا للمشاركة في جلسة المحكمة المقررة في الثاني من شهر شباط (فبراير) المقبل». وكانت اللجنة القضائية الاميركية التي تحقق في الحادث ابلغت اهالي الضحايا بأن موعد الجلسة الاولى لمحاكمة المتهمين الستة في 6 كانون الثاني (يناير) في واشنطن، وأكدت للأهالي ان المبالغ التي دفعت اليهم من قبل الشركة والسفارة الاميركية في بغداد لن تؤثر في سير المحاكم. ثم تم تغيير موعد المحاكمة الى الثاني من شباط (فبراير) المقبل. خداع المتضررين واتهم حافظ القاضي جعفر الموسوي، المدعي العام في قضية صدام حسين ب «خداعهم والتآمر على قضيتهم لمصلحة بلاك ووتر». وأشار حافظ الى ان «تعاون الموسوي مع بلاك ووتر اثر سلباً في سير القضية بعد تدخله ومشاركته في خداع المتضررين بزعم عدم جدوى رفع القضية، وان عليهم القبول بتعويضات». وأضاف: «ومع اصرارنا على رفع الدعوى عاد وعرض علينا مبالغ مالية قال انها من الشركة كمصاريف لعلاج الجرحى ولاقامة مجالس العزاء على الشهداء، لكن للاسف احتسبت كتعويضات». وكان القاضي اوربينا اعتبر ان «المدعين انتهكوا حقوق المدعى عليهم من خلال استخدام تصريحات ادلوا بها تحت الحصانة خلال تحقيق لوزارة الخارجية لفتح هذه القضية». وقال ان «الحكومة استخدمت الاقوال التي انتزعت من المدعى عليهم لفتح هذا الملف واجراء تحقيقات وفي نهاية المطاف توجيه التهم». وأضاف ان «التفسيرات التي قدمها المحققون لاقناع المحكمة بانهم لم يرتكزوا على هذه التصريحات كانت متناقضة وتفتقر الى المصداقية». وأكدت المحكمة ان عناصر الامن «ارغموا» على تقديم ادلة دامغة خلال تحقيق اجرته وزارة العدل، لكن الدستور الاميركي يمنع المدعين من استخدام «اقوال تم انتزاعها تحت تهديد فقدان الوظيفة». وقال اوربينا انه كان امام المدعين الفيديراليين فرصة خلال جلسات بدأت في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) 2009 واستمرت ثلاثة اسابيع لاثبات انهم لم يستخدموا اقوال المدعى عليهم لفتح هذه القضية ولم ينجحوا في ذلك. وخلص الى القول: «على المحكمة اسقاط كل التهم الموجهة الى المدعى عليهم». واتهم عناصر الامن الخمسة، الذين كانوا ضمن قافلة، بقتل 14 مدنياً عراقياً واصابة 18 آخرين بجروح في هجوم غير مبرر في ساحة النسور في منطقة اليرموك (غرب بغداد) استخدمت خلاله قنابل يدوية فضلاً عن اطلاق النار من أسلحة رشاشة. وفي حين يؤكد الاميركيون مقتل 14 شخصاً يقول العراقيون ان عددهم 17 قتيلاً. وبحسب وثائق عرضتها المحكمة قال احد الحراس لزميله انه يريد قتل عراقيين انتقاماً لاعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 متباهياً بعدد العراقيين الذين قتلهم. ويؤكد شهود ان العناصر الامنيين اطلقوا النار على المدنيين من دون ان يكونوا قد اعتدوا عليهم. وأكدت «بلاك ووتر» وهي أكبر شركة امنية خاصة استخدمها الاميركيون في بغداد من جانبها، ان الحراس اطلقوا النار دفاعاً عن النفس. واجرى مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) تحقيقاً بالتعاون مع وزارة الداخلية العراقية وشرطة بغداد. ووجهت 35 تهمة اواخر العام الماضي الى بول سلو (29 سنة) ونيكولاس سلايتن (24 سنة) وايفان ليبرتي (26 سنة) وداستن هيرد (27 سنة) ودونالد بال (26 سنة). يذكر ان عنصراً سادساً هو جيريمي ريدجواي، اقر بتهمة القتل غير العمد في كانون الأول (ديسمبر) 2008. واثار هذا الحادث غضباً واستنكاراً واسعاً في العراق، وعكر صفو العلاقات الاميركية العراقية وأصبحت رمزاً بالنسبة لكثير من العراقيين على استخفاف الاجانب بأرواحهم. ورفضت السلطات العراقية في كانون الثاني (يناير) 2009، تجديد عقد شركة «بلاك ووتر» الامنية الاميركية الخاصة، في اعقاب الحادث، لكن الشركة غيرت اسمها الى «أكس إي». يذكر انه بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 تمتع حراس شركات الأمن الخاصة بالحصانة من الملاحقة القضائية في العراق، لكن هذا الامر انتهى بتوقيع واشنطن وبغداد اتفاقاً ثنائياً بدأ سريانه عام 2009.