تقاطع الشاعر نزار قباني مع أهالي جدة حين عبّر عن وجله من المطر في غياب الحبيبة «أخاف أن تمطر الدنيا ولست معي،فمذ عرفتك عندي عقدة المطر». ويحسب للشاعر الراحل أنه أول من أدخل فوبيا المطر إلى ذاكرة وثقافة العرب، على رغم أن أسلافه من الشعراء والمثقفين تغنوا بالمطر، وأشعلوا له فتائل القلب كونه وسيلة إحياء واستنبات للأماني والتطلعات، وآلية ربانية لمكافحة التصحر الطبيعي والروحي. ورصد متابعون للشأن الاجتماعي في محافظة جدة تراجع مؤشر الفرح بالمطر إلى ما دون الصفر، مستشهدين بتدافع زوار الكورنيش وتسارعهم في العودة إلى منازلهم، تزامناً مع تغيرات الطقس وتراكم الغيوم أو انبعاث هزيم الرعد، ما يؤكد انعدام الشعور بالأمان. ويحيل جمعان الغامدي حال نفوره من عروس البحر إلى مشاهد الكارثة وصور الحدث المروع في الثامن من ذي الحجة الماضي، خصوصاً المتداولة تقنياً بين السعوديين، مضيفاً أن فوبيا المطر حدت من معدل زياراته لهذه المدينة الفاتنة آملاً أن يتجاوز هذه الأزمة قريباً. فيما كشف رجل الأعمال صالح علي الزهراني عن إحجام بعض المواطنين عن إتمام مساكن شرعوا في بنائها قبل وقوع الكارثة، لافتاً إلى أن الحوادث والكوارث تغير قناعات المجتمع كون عاطفة السعوديين غالبة على عقلانيتهم، مشيراً إلى أن البعض سيجني خسائر من مغبة التسرع في اتخاذ القرار غير المناسب، فيما سيحوز بعض أثرياء الكوارث مكاسب باستغلالهم لأزمات المنكوبين ومخاوف المترقبين. ويرى الاستشاري النفسي محمد حامد الغامدي أن فوبيا المطر من أنواع الفوبيا المعتمدة علمياً وطبياً، مؤكداً تعرض الكثير من أهالي جدة ومناطق سعودية لنوبات من الهلع جراء كارثة سيول «الأربعاء الأسود»، مشيراً إلى أن حجم الكارثة عمّق إحساس البعض بالفوبيا، لافتاً إلى الترابط النفسي الشرطي بين المثيرين، المخيف وغير المخيف ما يحيل غير المخيف إلى مخيف، واصفاً هروب أهالي جدة من شاطئ البحر عند تلبد السماء بالغيوم برد الفعل الطبيعي. مضيفاً أن الحكايات الشعبية عن نهاية جدة بالغرق تؤصل للمخاوف مع إطلالة المؤشرات الباعثة لها، مبدياً تفاؤله بقدرة الطب النفسي على مساعدة المصابين بالفوبيا ومعالجتهم من خلال آلية دوائية وأخرى سلوكية معرفية. أما أستاذ الاقتصاد الدكتور حبيب الله التركستاني فرجّح تأثر الاستثمار في جدة بتداعيات كارثة السيول، مؤكداً أن انعدام أو ضعف البنية التحتية الأساسية لأي مدينة يسهم في تحجيم استثماراتها، مضيفاً أن المخاطر المتوقعة تعيق طموح المستثمر وتحد من مغامراته، داعياً إلى فك احتكار مخططات الأراضي الكبيرة وعرضها للبيع، ووضع آلية اقتصادية تغري بالاستثمار والتملك، وتخفف عبء الداخلين الجدد إلى عالم الاستثمار. ويحاول بعض أهالي جدة غسل ذاكرة الوجع بملوحة البحر، مؤثرين تجاهل الكارثة ومفضلين عدم استرجاعها، مرددين مع الشاعر محمود درويش « نحن في حل من التذكار ياجرحي المكابر».