كم كان المشهد متناقضاً في المنتدى الذي نظمه «اتحاد المصارف العربية» و»الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب» حول «آليات تجفيف منابع تمويل الارهاب» في بيروت مع حال الاحتجاج السياسية التي تتعاظم في المدينة رداً على الحكم «المخفف» الذي أصدره القضاء العسكري اللبناني بحق الوزير السابق ميشال سماحة المتهم بنقل متفجرات في سيارته الى لبنان لتفجيرها بشخصيات سياسية وفاعليات بقصد إثارة الفتنة. كانت المحامية العامة لدى النيابة العامة التمييزية القاضية ندى الأسمر تشرح القوانين اللبنانية التي تحدد الارهاب ووسائله وتأتي على ذكر المواد المتفجرة والجمعيات الارهابية وكيف ان القضاء اللبناني يحكم على المنتمين الى هذا الارهاب بالأشغال الشاقة، ومضت تشرح أكثر عن القوانين التي تعاقب على زرع السيارات المفخخة ونقل المتفجرات وتفخيخ البنى التحتية وتطويع الاعضاء ونشر الارهاب عن طريق الايديولوجيا. وقالت ان «هذه جريمة بحد ذاتها يعاقب عليها بالاشغال الشاقة». وهي لخصت هذه الجرائم بكلمة واحدة «القذارة» و»هي مشتركة بين غسل الاموال وبين تمويل الارهاب». كان الحضور المصرفي والاعلامي طاغياً في قاعة فندق «كورال بيتش» على أي حضور سياسي، فمهمة المنتدى البحث في سبل تجفيف الاموال العابرة للقارات لتمويل الارهاب، ولبنان هو أحد هذه الامكنة التي ينتقل عبرها هذا المال «القذر». واذا كانت الاجراءات التي يتخذها العالم ويلتزمها لبنان لمراقبة الاموال والتحقق من مصادرها وغايات انتقالها، جزء من نجاح يتباهى به القطاع المصرفي اللبناني، الا ان ثغرات كثيرة ينفذ منها تمويل الارهاب على امتداد المنطقة وكشفت عنها جلسات المنتدى. قال رئيس مجلس ادارة مصرف «آشور الدولي للاستثمار» رئيس رابطة المصارف العراقية الخاصة وديع الحنظل: «صودرت لمصلحة الدولة الاسلامية» انها لافتة نعرفها نحن العراقيين. وما نعاني منه اسوأ من «داعش»، فالمصارف العراقية تعتبر ساحة الحرب للإرهاب»، معدداً عشرات المصارف التي تعرضت لعمليات نهب بهدف تمويل الارهاب. لكن رئيس قسم المباحث الجنائية الخاصة في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي في لبنان العميد زياد الجزار، عدد 3 منافذ لتمويل الارهاب: تبييض الاموال وبيع الآثار والتجنيد والتمويل عن طريق وسائل المعلوماتية. وشرح «ان السوريين اضطروا الى استخدام النظام المالي اللبناني لتحويل اموالهم، لكن تبين ان عدداً لا بأس به كان يستخدم مؤسسات الخدمات المالية اللبنانية او بواسطة وسطاء لهذه المكاتب لتمويل الارهاب ونقوم حالياً بملاحقة المؤسسات غير المرخصة للخدمات المالية»، معدداً «اكثر من 20 ملفاً تجري متابعته يتضمن تحويل ملايين الدولارات الى الخارج ونحاول معرفة عميل العميل لمعرفة الى أين حولت الاموال لمكافحتها». وفي تهريب الآثار، يؤكد العميد الجزار «ان جميع محاولات بيع الآثار المهربة من سورية يتم ضبطها وتوقيف بعض المهربين والقطع المهربة المضبوطة وضعت لدى المديرية العامة للآثار لإعادتها الى سورية مستقبلاً». أما في موضوع المعلوماتية، فقال ان «مكافحة تجنيد الاشخاص عبر المواقع الالكترونية تتم من خلال حملة اعلامية مضادة عن خطر الارهاب وضرورة مكافحته من قبل المواطنين على ان ملاحقة المستخدمين للشبكة ملفات ذات خاصية سرية أمنية». لكن المال القذر يجد منافذ له عبر الحدود، فلبنان على سبيل المثال لا يوجد فيه تشريع يحدد حجم الاموال التي يمكن ان يحملها العابر، الا ان العميد الجزار يعتقد ان حجم التهريب عبر هذا المنفذ صغير «لكننا مصرون على مكافحته». ف»لبنان متساهل في عملية نقل الاموال»، كما يقول عضو لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي اللبناني جمال الجراح، «لتشجيع الحركة التجارية ولأننا نتمتع بسرية مصرفية واستغل هذا التساهل لتمويل الارهاب». ويعتقد رئيس مكتب مكافة الجرائم المالية وتبييض الاموال في لبنان المقدم بشار الخطيب ان حركة الاموال خارج القطاع المالي ناشطة هذه الايام، وهناك مؤسسات غير ملزمة بأخذ تراخيص من مصرف لبنان ويكفيها أخذ علم وخبر، ولا يوجد قانون لمراقبة حركة هذه الاموال، انها صيرفة الظل تحكمها القوانين التجارية. والاجهزة الامنية تراقب مؤسسات تحويل الاموال والتسليفات والصيرفة وعند الشبهة تتحرك بالتنسيق مع مصرف لبنان والانتربول. واوضح انه تم ضبط عمليات كثيرة لنقل الاموال عبر المطار لم يصرح عنها صاحبها الذي يريد ادخالها الى لبنان، وما لم يتبين انها مزورة ولم يتعد سقفها ال50 ألف دولار لا تتم الملاحقة الجدية لها. وتحدث عن ملاحقة الصيرفة غير الشرعية وقال:»نعمل على ملفات كبيرة، اشتبهنا بشخص من التابعية السورية يعمل في تحويل الاموال وداهمناه وضبطنا معدات وكومبيوتر واوقفناه بناء على اشارة النيابة العامة المالية وتبين انه يتعاطى مع 19 شخصاً بحوالات مالية كبيرة جداً يومياً يحول مليون ونصف مليون دولار وبدأنا التحقيقات وأوقف ابنه وتابعنا علاقاته مع صيارفة لبنانيين ولاحقنا التحويلات التي يقومون بها وجرى تعميم اسماء 20 سورياً يقومون بعمليات صيرفة غير مرخصة وبعضهم كان تعهد لمصرف لبنان بعدم مزاولة المهنة وأوقفنا من كرر الامر». غلب على اسئلة الحضور التحفظ في كثير من الاحيان. وقال احد المصرفيين ان العملاء الذين تكون اموالهم سليمة لا تتراجع اعمالهم عبر المصارف، فقط الذين يتعاطون بالمال القذر هم من يتحولون عنها الى سبل أخرى، وكلنا يعلم ان الارهاب وتمويله مسألة سياسية وهو ليس عبر الاموال النقدية فهناك تعاملات غير السيولة، بالعقارات مثلاً، فأين قانون: من أين لك هذا؟». اقتراحات كثيرة قدمت أبرزها مكافحة الفقر لمنع تجنيد الشباب للإنخراط في الارهاب. وسأل آخرون عن الحدود المفتوحة من دون ضوابط. ودعا الحنظل الى الاستفادة من التجربة اللبنانية من خلال التسليفات لامتصاص نقمة الشباب بسبب البطالة. الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان قال ل»الحياة» ان أكثر المتضررين خلال عمليات تجفيف منابع تمويل الارهاب هم الجمعيات التي تتعاطى الاعمال الخيرية اذ انه يتم استغلالها للقيام بأعمال أخرى، ومنها «داعش» تحت ستار تبرعات عربية - عربية او من اوروبا وباسم فلسطين. لكن هذا لم يمنع كل المعنيين من الحرص على عدم التعميم.