جعل النظام السوري اليوم (الاثنين) مسألة استعادة مستشفى في مدينة "جسر الشغور" شمال غربي سورية اولوية، في محاولة لرفع معنويات الشارع السوري وشد ازر جنوده الذين لا يزال حوالى 150 منهم محاصرين في المبنى، بعد سلسلة الخسائر العسكرية. وقال "المرصد السوري لحقوق الانسان"، سقط جسر الشغور القريب من الحدود التركية في ايدي مقاتلي المعارضة وعلى رأسهم "جبهة النصرة" في 25 نيسان (ابريل) الماضي، وتحصن حوالى 150 جنديا في مستشفى المدينة، الذي اقتحم مقاتلو المعارضة و"جبهة النصرة" أمس قسماً منه، بينما يقول مصدر امني سوري ان عدد عناصر القوات النظامية في المشفى 120. ويقول مدير "مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية" بسام ابو عبدالله أن "هناك ضباط وجنود محاصرون داخل المشفى وهذا له رمزية خاصة، لا سيما ان سقوط جسر الشغور ترك اثرا نفسيا ومعنويا في الشارع السوري". وجاء سقوط جسر الشغور بعد شهر من سقوط مدينة ادلب، مركز المحافظة، بينما خسر النظام ايضا مناطق واسعة في الجنوب في المنطقة الحدودية مع الاردن خلال الفترة نفسها. واثارت هذه الخسارة قلقاً في اوساط المؤيدين للنظام الذي ارسل تعزيزات ضخمة الى المنطقة. ويقول مدير صحيفة "الوطن" السورية القريبة من السلطات وضاح عبدالله أن "المعركة رمزية لانها تريد ان تثبت ان الجيش لا يترك جنوده على ارض المعركة من دون دعم، واستراتيجية لانها تفتح الباب على منطقة اللاذقية الحيوية بالنسبة الى السلطات". ويؤكد مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" رامي عبد الرحمن ان "النظام يريد ان يبعث برسالة قوية مفادها انه لن يتخلّى عن جنوده مثلما حصل في الطبقة" في محافظة الرقة (شمال) الصيف الماضي. وانتشرت بعد معركة مطار الطبقة التي حصلت في آب (اغسطس) الماضي صور مروعة على مواقع التواصل الاجتماعي لعشرات الجنود الذين قتلوا على ايدي تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) وتم اعدام الكثيرين منهم ميدانيا وقطع رؤوس بعضهم والتمثيل بجثث آخرين. وافاد المرصد ان عدد الجنود الذين قتلوا في حينه وصل الى مئتين. ونقل مسؤول سوري عن ضابط موجود داخل المستشفى المحاصر في جسر الشغور "حصلنا على ماء وطعام وما يكفي من السلاح والذخائر. وننتظر عودة الجيش الى المدينة". وقتل اربعون مقاتلا على الاقل في صفوف "جبهة النصرة" والفصائل الاسلامية في معارك أمس، و32 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين له. وتمكن المقاتلون للمرة الاولى منذ اسبوعين من اقتحام احد ابنية المشفى الواقع عند الاطراف الجنوبية الغربية لجسر الشغور، من دون ان يسيطروا عليه بالكامل. وبدأت قوات النظام السوري هجوما مضاداً في اتجاه مدينة جسر الشغور السبت واحرزت تقدما، وباتت، بحسب المرصد السوري، "على بعد كيلومترين تقريبا من المشفى الوطني المحاصر". واوضح مصدر امني سوري ان العقيد سهيل الحسن المعروف بقربه من الرئيس بشار الاسد والملقب ب"النمر" يقود معركة استعادة المشفى. وظهر الحسن في شريط فيديو تم تناقله على شبكة الانترنت وهو يشكو من نقص الذخائر الذي اضطره الى سحب رجاله من جسر الشغور. واشار المصدر الى ان الحسن مصمم على الانتصار في هذه المعركة و"الانتقام" لخسارته. ويقول ابو عبدالله "انها ليست المرة الاولى التي يحاصر فيها جنود ويتمكنون من الصمود كما جرى في مطار منغ (في محافظة حلب) وفي سجن حلب المركزي حيث صمدوا لاكثر من عام ونصف عام قبل فك الحصار عنهم". الا ان الفارق ان معركة جسر الشغور تاتي بعد خسارة ادلب ومعبر القنيطرة مع القسم المحتل من اسرائيل من هضبة الجولان ومعبر نصيب الحدودي مع الاردن، ما اثار تكهنات باحتمال انعكاس ذلك سياسيا على النظام. وكتب جيفري وايت في تحليل صادر عن مركز "واشنطن اينستيتيوت" للدراسات حول الشرق الاوسط بعد سقوط جسر الشغور "مهما كان الوضع، النظام يمر في مرحلة صعبة جدا. (...) الوضع العام يؤشر الى فشل في القدرات العسكرية بعد اربع سنوات من حرب الاستنزاف"، معتبرا ان على النظام "ان يعيد النظر في استراتيجيته العسكرية والسياسية في المقابل، تبدو المعارضة وكأنها انتعشت بعد طول انحدار. وقال رئيس الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية خالد خوجا في مؤتمر صحافي عقده اليوم في اسطنبول ان "التقارب بين دول المنطقة (السعودية وقطر وتركيا) ينعكس بشكل ايجابي. وهذا واضح في تغيير موازين القوى في سورية في الشهرين الاخيرين".