لو كنا الآن في سنة 2011 وأُجريت انتخابات الرئاسة المصرية في موعدها لكان الرئيس حسني مبارك مرشحاً لولاية أخرى، ولفاز بسهولة. هذا الوضع لن يغيره سوى مشكلة صحية او حرب عامة في الشرق الاوسط تبدأ في مكان منه وتنتشر الى أماكن أخرى. غير أننا نودع سنة 2009، ونفكر على أساس ما هو موجود، لا ما يمكن ان يكون، وإذا كان من وضع واحد سيبقى غداً كما كان أمس، وكما هو اليوم، فهو أن الرئيس يأتي بالممارسة الديموقراطية، وهذه تحميها المؤسسة العسكرية المصرية، فهي أقوى أجهزة الدولة وضمانة الاستمرار والاستقرار. إذا تجاوزنا التمديد والتجديد، وكلاهما ممكن بموجب نصوص الدستور، نجد أسماء مطروحة للرئاسة ليس بينها من يستوفي الشروط إلا إذا عدّل الدستور بعد تعديله سنة 2005 بما حصر الترشيح للرئاسة ضمن قلة تكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. المرشح يجب أن يكون عضواً منذ سنة على الأقل في قيادة حزب سياسي موجود منذ ثلاث سنوات، على الأقل أيضاً، وله ممثل أو أكثر في مجلس الشعب. وعلى المرشح أن يحصل على تأييد 60 عضواً في مجلس الشعب وأيضاً تأييد نسبة مهمة من مجلس الشورى والمجالس المحلية، وهذه كلها يسيطر عليها الحزب الوطني، ثم عليه أن يكون قضى وقتاً كافياً في بلاده ليعرف مشاكل الشعب وحاجاته. في مثل هذا الوضع يصبح طرح أسماء مرشحين من نوع الدكتور أحمد زويل أو الدكتور محمد البرادعي أو أخينا عمرو موسى نوعاً من العبث، فالشروط الدستورية تعني أن يكون المرشح من ثلاثة أحزاب أو أربعة على أعلى تقدير، وتستبعد الإخوان المسلمين، وهم أكبر كتلة معارضة في البرلمان، فمع ان لهم حوالى خمس المقاعد أو 80 نائباً، فإنهم في مجلس الشعب كمستقلين، وجماعة الإخوان المسلمين محظورة كحزب سياسي. شخصياً، أعتقد أن دور الإخوان المسلمين سيتراجع كثيراً عنه سنة 2005 ولأسباب كثيرة أهمها اثنان، الأول تضييق السلطات عليهم والاعتقالات الكثيرة في صفوفهم، والثاني الخلافات الداخلية التي عصفت بالإخوان وخلافة رئيسهم مهدي عاكف وما تردد عن ترشيحه أحد رفاقه لخلافته، ثم إعلانه انه سيرشح نفسه من جديد للرئاسة الشهر المقبل. في المناسبة، لا أتوقف كثيراً عند عمر المرشح والسيد عاكف في مثل عمر الرئيس مبارك، وقد لاحظت أن الرئيس المصري كان بين أنشط القادة العرب في الأشهر الأخيرة، فقد قام بجولات خارجية متتابعة ومضنية بالإضافة الى نشاطه الداخلي. وأعتقد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مثل هذا العمر، وهو منذ تولى الحكم سنة 2005 رأيته في الديوان الملكي ثلاث مرات أو أربعاً، وفي كل مرة كان يعمل بين ست وثماني ساعات، وكنت أترك الديوان وهو لا يزال ينتقل من موعد الى آخر، ما يذكرني بشارل ديغول وكونراد اديناور اللذين قادا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وكل منهما يقارب الثمانين ثم يتجاوزها. واليوم الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل يتحدث عبر «الجزيرة» وهو أيضاً ثمانيني، ويذكّرنا من الأخبار بما نسينا. ما سبق لا يعني أنني أفضل مرشحاً على آخر أو أفاضل بين مرشحين، وإنما أقول إنه يجب الحكم على كل مرشح بحسب قدراته المعروفة ومؤهلاته، ما يطرح أيضاً اسم الأخ جمال مبارك، فهو مرشح يعارضه بعضٌ لأنه ابن الرئيس و «التوريث» لا يجوز في بلد ديموقراطي. غير أن الديموقراطية تقول إن كل مواطن مؤهل يحق له الترشيح، ولا يجوز استثناء جمال مبارك وحده من بين 81 مليون مصري لمجرد أنه ابن حسني مبارك، فهذا الموقف يخالف القانون والدستور وحقوق المواطنة التي يرفعها معارضو التوريث. هناك كثيرون في بلد كبير مثل مصر مؤهلون للرئاسة وجمال مبارك يملك مؤهلات الرئاسة كما لا يملكها أكثر أصحاب الأسماء المطروحة، إلا أنني لا أؤيد ترشيحه طالما انه لم يرشح نفسه بعد، ثم انني أسجل رأياً وأعرف أنني تأييداً أو معارضةً لن أغيّر الوضع قيد أنملة. اليوم أتمنى فقط لو أن حركة «كفاية» لم تتراجع وإنْ «ضد التوريث» وتوسع نشاطها حتى لا يكون ضد رجل واحد فقط، وأن ترقى «شايفينكم» الى مستوى اسمها الظريف لأن الانتخابات بحاجة الى مراقبة داخلية وخارجية كما طلب الدكتور البرادعي فهوجم ظلماً. في أهمية كل ما سبق ان انتخابات برلمانية ورئاسية ديموقراطية في مصر مهمة لذاتها ومهمة لمركز مصر القيادي في المجموعة العربية، وقد تبع العرب مصر في الانقلابات العسكرية وتأميم الصحف والاقتصاد وتكميم الحريات ثم تبعوها في الانفتاح، فلعل ممارسة ديموقراطية حقيقية في مصر تصيب بعدواها الجار القريب والبعيد. [email protected]