يستلهم الفنان المصري محمد عبدالله أشكاله النحتية من الطبيعة مباشرة، من دون مقدمات مفاهيمية مفرطة، متخذاً من عالم الحشرات مثيراً بصرياً ومحوراً تدور حوله تلك الأعمال التي يعرضها حالياً في قاعة مشربية للفنون بالقاهرة تحت عنوان «حياة موازية». نظرة على الأعمال المعروضة كافية لتدرك أنك أمام بدايات تجربة شيّقة ومتفردة في مجال النحت، حيث تستطيع أن تبعد عن مخيلتك تلك المسارات المدهشة التي يمكن أن تنطلق نحوها هذه التجربة. فالفكرة بما تحويه من تفاصيل ومعالجات بصرية للأشكال جديرة بالتطوير والبناء عليها على نحو يحمل صياغات لا حصر لها من البناء والتوظيف الشكلي للمجسمات المعدنية. هذه المجسمات التي تبدو ككائنات مهولة محكمة التكوين في اتساق كتلتها مع الفراغ المحيط بها، والرؤية المتكاملة من كل الزوايا، وقدرة الشكل على إحداث هذه الصدمة البصرية والدهشة الأولى. لك أن تتخيل على سبيل المثال أحد هذه الكائنات المعدنية وسط ميدان فسيح لمدينة ما، يبدو المشهد ملهماً إلى حد بعيد، فكم يحتاج فراغ مدننا إلى مثل هذه الصياغات الملهمة للمخيلة، بعيداً من التماثيل الميدانية التقليدية، أو حتى الصياغات المجردة التي تنتحل الموروث على نحو مخل. «حياةٌ موازية»، هي التجربة الأولى للفنان في العرض الفردي، وهي خطوة تحمل كثيراً من جوانب الثراء والنقاط المضيئة من حيث التوظيف الجيد للخطوط والمساحات الهندسية والعلاقات المتنوعة بين الكتلة والفراغ المحيط بها. وهي المرة الأولى التي يخوض فيها عبدالله تجربته في التشكيل بالمعدن، فهو يصوغ أشكاله من شرائح الحديد التي تتحول إلى كتل ومجسمات تبدو مصمتة. تستقر هذه الكتل المعدنية على أطراف أقل سمكاً، فتعطي المعالجة مجالاً للحركة والتناغم ما بين الكتلة المصمتة والفراغ، هذا الفراغ الذي لا يحيط بها فقط، بل يتخللها ويخترق أوصالها مشكلاً مساراته الخاصة. وتتشكل معالم الكتلة النحتية بأطرافها الممتدة في الفراغ فتبدو أشبه بكائنات خرافية تسيطر بحضورها الطاغي على فضاء القاعة. وفي كلمته المرفقة بالدعوة يوضح الفنان طبيعة المثيرات البصرية التي يستلهمها في منحوتاته المعدنية، إذ مثلت البنية البصرية ل «العوالم الموازية»، كما يسمّيها، حشرات أو طيوراً أو غيرها من الكائنات الأخرى المحيطة بنا والتي تشاركنا الحياة. وجد محمد عبدالله ضالته في ذلك «العالم الموازي» كما يقول، فأخذ يتتبع قوانينه الحاكمة من حيث التركيب والحلول اللانهائية والمبتكرة التي تصنعها الطبيعة. غير أن الفنان أضاف من لديه قوانينه الخاصة، فكائناته معدنية، وللمعدن طرائقه في التشكل والصياغة. وفي هذه الأعمال يقدّم حلولاً بصرية متسقة مع خامة المعدن، فيعمل على صياغاته الهندسية وكذلك على مستوى التركيب والبناء العام للشكل واللون أيضاً، ويمثل كل منهما مساراً غنياً ومنطلقاً لنمو التجربة وتطورها لاحقاً. تخرج عبدالله في قسم النحت الميداني بكلية الفنون الجميلة عام 2002، يعيش ويعمل في القاهرة، شارك بأعماله في العديد من المعارض الجماعية، وهو ينبش تلك الصور الكامنة في الذاكرة البصرية منذ الطفولة ويعيد صوغها متعاملاً معها كمحفز إبداعي يستطيع عبره الاقتراب من ذهن المتلقّي.