لم يكن بيده عمل شيء سوى صفعه وطرده من المنزل جراء تطاوله على والده السبعيني. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل كان نصيب والدته نظير محاولتها التهدئة، دفعها لتسقط على الأرض، باكية مستنجدة بابنها الأكبر مساعد. ويقول مساعد: «فوجئت عند دخولي المنزل ببكاء والدتي وصراخ أخي فيصل (17 سنة) في وجه والدي، ولم يبد أي احترام لسنه وأبوته، ما دفعني إلى ضربه وطرده من المنزل». السبب وراء «عقوق» فيصل تافه، كما يقول مساعد، فرغبته في شراء سيارة جديدة من نوع BMW أسوة بأحد أصدقائه، ورفض والده طلبه، دفع الشاب إلى الضغط على والده برسوبه في الثانوية والتمرد عليه. ويحمّل مساعد والديه السبب في عقوق أخيه الأصغر، «فدلالهما الزائد له، وخضوعهما لطلباته منذ صغره، وعدم اكتراث والدتي بتأديبه وتأنيبه عند ارتكابه أخطاء في حق الآخرين، كلها أمور جعلت منه شخصاً أنانياً، لا يرى سوى نفسه ويسعى إلى تحقيق مطالبه من دون مراعاة للآخرين». واعتادت مها (15 سنة) ترديد مصطلحات التذمر في وجه جدتها التي تكفلت بتربيتها بعد طلاق والدتها وزواجها بآخر. ومع أن الفتاة متعلقة بالجدة وتحبها كثيراً، يظل سخط الجيل الجديد على توجيهات ذويهم وتذمره من نصائح الأسرة، من الأسباب التي تدفعهم إلى التعامل مع من يكبرونهم سناً، بلا مبالاة. تقول أم راشد إن خوفها على مها اضطرها إلى منعها من زيارة زميلاتها والتحدث معهن هاتفياً لأكثر من دقائق، «كما أن امتناعي عن تنفيذ رغبتها بإحضار «ساتلايت» لمشاهدة القنوات الفضائية، وإرغامها على ارتداء ألبسة إسلامية محتشمة، جعلها تتوهم بأني احاول السيطرة عليها وتعلن العصيان، ومجادلتي في كل صغيرة وكبيرة والتأفف دائماً». حسن السبيعي، مدرّس منذ 40 عاماً، ينعي حال المعلمين اليوم وافتقارهم إلى الهيبة واحترام الطلاب، مقارنة بالأجيال الماضية. ويرى أن الأمر لا يتوقف هنا، «فعدم شعور الجيل الجديد بالمسؤولية، وعدم إدراكه حقيقة واجباته ومساهمة أسرته في تدليله، جعل من أبنائه (أي الجيل) شخصيات اتكالية لا تكترث بمن حولها»، كما يقول. ويضيف: «في السابق، كان الطالب يقف عندما يدخل المعلم الى الفصل تبجيلاً واحتراماً، ويبذل قصارى جهده لارضاء الأستاذ بتأدبه واجتهاده، كما انه كان يمثل القدوة المثلى له التي يسعى إلى تقمصها. ولكن نظرة الطالب إلى المعلم حالياً، باتت تقتصر على ان الأخير مجرد موظف يعمل لينال أجرته في آخر الشهر... ويؤسفني ما أقرأه في الصحف من حين لآخر عن حوادث اعتداء طلاب على معلميهم، ضاربين بالقيم والمبادئ عرض الحائط». وفي المقابل، تفضل والدة ربى فالح لعب دور الصديقة المقربة لابنتها، كما تسعى لكسب ثقتها بإنصاتها لها ومشاركتها معاناتها، وتتكفل باحتواء رفيقاتها، حتى أنها تعتبر نفسها واحدة منهن، ما ساهم في إدراكها ما يدور في خواطرهن وطبيعة شخصياتهن، إضافة إلى تقبلهن نصائحها وتوجيهاتها بكل أريحية. وتقول أم ربى: «التباين الكبير بين جيلنا وجيل أبنائنا، واعتيادنا على السمع والطاعة لأوامر آبائنا من دون مناقش أو حتى اقتناع، بعكس الانفتاح الذي يعيشه أبناؤنا الذي ساعد في فرض شخصياتهم داخل أسرهم... ذلك هو الأمر الذي اضطرني إلى مجاراة عصرهم واستخدام أساليب الحوار والنقاش والإقناع، وإهمال الطرق القديمة في التربية وفرضها على أبناء هذا الجيل». وتوضح المعالجة النفسية، الدكتورة مها المشاري، أن صراعاً قوياً يحتدم بين الأجيال، بسبب إصرار جيل الآباء على تربية أبنائهم بالطرق نفسها التي استخدمها آباؤهم وأجدادهم، مشيرة إلى انها قد تكون جيدة ولكنها تحتاج إلى تعديل. وتلفت المشاري إلى إصرار الجيل الجديد على أن يعيش الحياة كما يراها هو، وخصوصاً أن وتيرة هذا الجيل سريعة، وتقول إن «عدم تقدير هذا الجيل لآبائه يعود أيضاً إلى إصرار الآباء على تسفيه الجيل الجديد في كل مناسبة، وعدم رغبته الصادقة في استيعابه، ما يتسبب في تفجير خلافات بينهم ذات آثار سلبية شديدة على الطرفين». وتوضّح المعالجة النفسية أن ضعف شخصية أحد الوالدين تُعتبر من أسباب تمرد الأبناء. وعن أسباب انصياع الأبناء لآراء رفاقهم والأخذ بمشورتهم، على رغم عدم نضجهم، بدلاً من امتثالهم لأوامر آبائهم، تقول المشاري: «كلنا نصغي لمن يسمعنا ويتعاطف معنا. كلنا نحتاج إلى من يُشعرنا بأننا مهمون وان حديثنا مشوق، وان الآخرين مستعدون لسماعنا طوال الوقت. فإذا توافر هذا الشخص، حتى لو لم يكن ناضجاً أو صاحب خبرة، سنبقى معه ونصرّ على وجوده في حياتنا ونستمع إلى آرائه». وتشدد على أنه لا بد من أن يحترم الآباء أبناءهم كي يحظوا باحترامهم، كما يفترض منهم استخدام الأسلوب المرن في تعاملهم معهم، «ذلك أن وجود جو اسري حميم يخلق توازناً كبيراً بين الأجيال».