«أود التقدم باعتذاري عن وفاة الذين أعدموا (أقر الجاني ب12380 إعداماً من 17 ألفاً)، ولكنني أتمنى على المحكمة أن تطلق سراحي. أشكركم». عندما تلفظ دوتش بعباراته هذه، في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، وطلب تبرئته، صعق حضور قاعة المحكمة. فإلى حينه، كان الرجل مقراً بذنبه، وبمسؤوليته عن جرائم ارتكبها في ثانوية قديمة ببنوم بنه، العاصمة الكمبودية، تحولت معتقلاً ومركزاً للتعذيب بين 1975 و1979. وانقلاب الدقائق الأخيرة من المحاكمة، وهذه كانت تؤذن بترك بصمتها على تاريخ كمبوديا والإنسانية، يطعن في عدالة مختلطة تجمع قضاة كمبوديين الى قضاة دوليين. وإنشاء الغرف الاستثنائية في إطار المحاكم الكمبودية، وتوكيلها بمحاكمة قادة الخمير الحمر، ثمرة نزاع طويل بين الأممالمتحدة وبين بنوم بنه. فالأممالمتحدة مالت الى إنشاء محكمة دولية، بينما رفضت الحكومة الكمبودية التدخل في شؤونها الداخلية. ويعلق نيكولا دانلوب، وهو صحافي بريطاني وكاتب معروف يعود إليه البحث عن دوتش وإثباته وتوقيفه، على المحكمة بالقول إنها، في حقيقة الأمر، محكمتان، واحدة محلية وأخرى غربية. ولم يتخطَّ القضاة خلافهما «الثقافي». والى هذا، الفجوة عميقة بين قضاء دولي يخطو خطواته الأولى، ويلتمس طريقه، وبين رغبة الضحايا القوية في الحقيقة والعدالة. وميدان الخلاف والمقارعة هو كمبوديا ونسيجها الاجتماعي الهش. ولخص إريك ستوفير، اختصاصي جامعة بيركلي بكاليفورنيا، الحال بقوله: «كان نهار نواب الادعاء جيداً، ونهار العدالة سيِّئاً، ونهار الضحايا محزناً جداً». ولا ريب في أن خلافات الدفاع رجحت كفة الادعاء. ومجرى المحاكمة العام وجه «صفعة عظيمة» الى مدعي الحق العام المدنيين، والى جدارة المحكمة المختلطة وغير المسبوقة. وسأل محامي الدفاع الفرنسي عن دوتش: «هل يمكن دمج امرئ ارتكب جرائم في حق الإنسانية، في المجتمع؟». ولم يدرك المحامي الفرنسي ربما طبيعة خلافه مع نظيره الكمبودي. فالمحامي الفرنسي تمسك طوال الأشهر الستة التي دامتها القضية بمسؤولية موكله الجرمية، باسم العدالة الدولية وتماسكها. وتابعه دوتش على الرأي هذا، وطلب إدانة مع أسباب تخفيفية. وخالف المحامي الكمبودي الرأي هذا. وطلب البراءة لموكله، على الضد من معايير القضاء الدولي كلها. وتذرع بمرتبة موكله التنفيذية، وطعن في صلاحية المحكمة. وبعض المراقبين يحمل خط الدفاع الجديد على رأي الحكومة وإيعازها إلى المتهم بطلب البراءة لقاء وعود بتخفيف العقوبة. وكان محامي المتهم فاجأ نظيره الفرنسي بطلب البراءة لموكله في ختام مرافعته. والمحامي الكمبودي، كار سافوت، هو محامي رئيس الوزراء وألعوبة بيد الحكومة. وتوجه القضاة بالكلام الى المتهم، ودعوه الى اختيار موقف مفهوم: هل هو مذنب أم بريء؟ وأجاب دوتش أنه مسؤول في إطار انتسابه الى الحزب. * مراسلة، عن «لوكورييه» السويسرية، 1/12/2009، إعداد و.ش.