ألغى حكم المحكمة العليا الباكستانية في 16 الجاري قانون المصالحة الوطنية الذي كان برويز مشرّف أقره في 2007. وصدر قرار المحكمة بإجماع 17 قاضياً يتحدرون من أقاليم باكستان المختلفة. والإجماع هذا إنجاز لا يستهان به مقارنة بضعف الإجماع على إدانة ذو الفقار علي بوتو، في 1979. فيومها، انقسمت هيئة المحكمة العليا انقساماً «قومياً» وإقليمياً خلّف آثاراً سلبية في وحدة باكستان. والمحكمة عاقدة العزم على محاربة الفساد في الدولة مهما كان الثمن. ومنحت هيئة المحكمة، وهي يرئسها القاضي افتخار محمد تشودري، الحكومة وقتاً كافياً لتحضير الدفاع وحججه. وأبرز عجز الحكومة عن سوق براهين قانونية ودستورية هشاشة موقفها. والمحامون الذين ترافعوا ضد قانون المصالحة احتجوا بخطابات بيناظير بوتو في الحملة الانتخابية. وقبل العودة الى باكستان، تفاوض بيناظير ورحمن ملك على اقرار قانون المصالحة المطاح. ولم يشارك آصف زرداري في المفاوضات التي شرّعت عودة زوجته ورحمن ملك إلى باكستان. وعاد زرداري إلى البلاد بعد اغتيال زوجته. ولا يستقيم الزعم أن المؤسسة العسكرية واستخباراتها، والاستخبارات المركزية الأميركية، هي وراء مؤامرة تقويض الحكومة. ولا يسع مدير الاستخبارات العسكرية، أو رئيس هيئة أركان الجيش، أو مدير الاستخبارات الاميركية، استدعاء رئيس المحكمة العليا، وأمره بنقض قانون المصالحة. فأجهزة الاستخبارات تستسيغ تسريب أنباء الى الصحافة ووسائل الإعلام، ومحطات التلفزيون، لإسقاط من تشاء سقوطه. وغالباً ما يسعى المتهم بالفساد في جرح التهمة وإبطالها، وتقويض دوافعها، والزعم أن وراءها اهدافاً سياسية لينجو من العقاب ويبقى في قصره. ولم يسبق أن دين باكستاني نافذ في الحزب الحاكم بتهمة الفساد. فالقضاة يخشون على حياتهم، ويتفادون إدانة السياسيين. وهم يتجنبون النظر في مثل هذه القضايا، ويتملصون منها. فيطلبون تأجيل البت فيها، أو الاعفاء من ملفها. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن الرئيس الباكستاني طلب تأجيل قضية واحدة 252 مرة. والمحامون الذين ترافعوا عن بيناظير بوتو وآصف علي زرداري هم، اليوم، أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ. وهذا قد يعوق العدالة. وأبطل حكم المحكمة العليا التاريخي الاخير ما بني على قانون المصالحة من أحكام وأوامر. وطالب قرار المحكمة العليا من المحاكم ذات الاختصاص استئناف النظر في القضايا التي طويت استناداً الى قانون المصالحة. ولكن المحاكم الباكستانية، ومنها المحكمة الاتحادية العليا أو محاكم الأقاليم العليا، عاجزة عن متابعة هذه القضايا، ومراقبة السير فيها، من غير دعم حكومة رضا جيلاني. * حقوقي وكاتب مقالة، «دون» الباكستانية، 19/12/2009، إعداد جمال اسماعيل