بينما غلبت الانطباعات الإيجابية عن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري دمشق ونتائج محادثاته مع الرئيس السوري بشار الأسد لدى الوسط السياسي اللبناني، في ظل المعلومات شبه الرسمية عن إرساء العلاقة اللبنانية - السورية على أسس جديدة ومن دولة الى دولة، نغّص حادث إطلاق مجهولين النار على باص سوري ينقل ركاباً سوريين الى سورية، في منطقة دير عمار شمال لبنان، بعيد منتصف ليل أول من أمس ومقتل شاب سوري يعمل في لبنان، على كثيرين موجة التفاؤل بانتقال العلاقات الى مرحلة جديدة. وكانت نتائج زيارة الحريري دمشق ولقاءاته مع الرئيس الأسد مدار بحث في أول جلسة لمجلس الوزراء اللبناني الذي عقد امس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أطلع بدوره المجلس على نتائج زيارته العاصمة السورية يوم الجمعة الماضي وقبلها الولاياتالمتحدة الأميركية. وأعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في تصريحات له بعد لقاءاته مع سليمان والحريري ورئيس البرلمان نبيه بري، ونظيره اللبناني علي الشامي أمس، رداً على سؤال عن زيارة الحريري دمشق ان «هذه الخطوات تؤكد المزيد من التقارب وتصب في خانة الاستقرار والهدوء في المنطقة». وإذ رأى ان «لبنان أثبت انه يمتلك السعة كي يتحلى بمكانته اللائقة على المستوى الإقليمي والدولي»، أوضح ان «التشاور بين بلدان المنطقة هو الذي أوجد أرضية للالتقاء اللبناني، وهذا يجب ان يكون نموذجاً يحتذى به لحل قضايا المنطقة». وقال: «الحل في أفغانستان لم يحصل بفعل غياب آليات إقليمية». ووجه متقي دعوة للحريري الى زيارة طهران من النائب الأول لرئيس الجمهورية «سيحدد الحريري موعدها في الوقت المناسب». ولفت الى ان بعض المسائل التي تم التشاور فيها مع اللبنانيين، مهمة بالنسبة الى العلاقة بين ايران والسعودية، مذكراً ب «الاجتماع الذي عقد بين سورية وقطر وإيران لحل موضوع لبنان». كما ذكّر بأن «علاقات الشعبين الإيراني واللبناني تاريخية وأن أول اتفاقية عقدت مع لبنان كانت منذ 70 سنة...». وانحصرت زيارة متقي بلبنان دون غيره من دول المنطقة حيث رعى احتفالاً بوضع الحجر الأساس لمبنى السفارة الإيرانية الجديد في منطقة بئر حسن (ضاحية بيروت الجنوبية). وأصدر «حزب الله» بياناً عن لقاء متقي مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أول من أمس أشار فيه الى ان البحث تناول التطورات الإيجابية المتسارعة في العلاقة اللبنانية - السورية. ولفت إطلاق متقي عدداً من المواقف تتعدى الوضع اللبناني في مؤتمره الصحافي إذ قال ان «ما يجري في اليمن هو شأن داخلي يجب عدم التدخل فيه»، وأكد انه «يجب احترام سيادة كامل تراب اليمن»، مشيراً الى ان «ما جرى هناك لا حل له إلا من خلال التفاوض والمصالحة والحل السلمي». ومساء زار متقي بكركي وأجرى محادثات مع البطريرك الماروني نصر الله صفير. وكان الرئيس الحريري تابع حادث إطلاق النار بعيد الثانية والنصف ليل أول من امس على الحافلة السورية واتصل بالقيادات الأمنية المعنية طالباً منها الإسراع في التحقيقات لمعرفة الجناة وملاحقتهم بأقصى سرعة ممكنة وإحالتهم الى القضاء. وأجرى وزير الخارجية السوري وليد المعلم اتصالاً بنظيره اللبناني الوزير الشامي طالباً «إعلام سورية بمجريات التحقيقات وتحديد الفاعلين ومن يقف وراءهم... خصوصاً ان الحادث وقع بعد الزيارة الناجحة للرئيس الحريري». وعصراً اتصل الوزير الشامي، الذي دان الاعتداء على الحافلة واعتبره «إرهابياً وآثماً» بالمعلم وأبلغه المعلومات التي توافرت عن الحادث بعد التحقيقات الأولية التي أُجريت. وكانت الخارجية اللبنانية تلقت كتاباً خطياً من السفارة السورية تطلب تزويدها بمعلومات تفصيلية حول الحادث، وردت الوزارة بكتاب أكدت فيه ان الجهات الأمنية تولي الحادث اهتماماً بالغاً. وإذ اعتبر العديد من السياسيين ان مفتعلي الحادث الذي سبقه إحراق صورتين للرئيس الحريري في محيط المنطقة نفسها، وراءه متضررون من زيارة الحريري ومحادثاته مع الأسد، فإن ردود الفعل المرحبة بزيارة رئيس الحكومة دمشق تراوحت بين اعتبارها فاتحة لمرحلة جديدة ستشهد خطوات عملية على صعيد تحسين العلاقة بين البلدين، وبين ترقب بعض هذا الوسط الترجمة العملية للأجواء الإيجابية التي أحاطت بالزيارة بخطوات قريبة وعلى أسس جديدة، ومن دولة الى دولة. وصدرت تصريحات عديدة في هذا السياق من وزراء ونواب في الأكثرية والمعارضة ومن رموز في تيار «المستقبل» الذي يتزعمه الحريري. وأعلن حزب الكتائب في بيان صدر عنه ليلاً انه «يدعم رئيس الحكومة في المساعي التي يبذلها لإرساء العلاقات الثنائية على افضل وجه ومعالجة الملفات العالقة على اسس ثابتة». واشار الحزب الى «مظاهر الحفاوة» التي رافقت استقبال الرئيس الأسد للحريري ما يدل إلى ان الرئيس السوري أراد ان يظهر ان صفحة الماضي طويت لفتح صفحة جديدة بين لبنان وسورية. وفيما طالب «الكتائب» بخطوات حسية في ما يخص ترسيم الحدود وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها وإقفال ملف المسجونين والمفقودين في السجون السورية، علمت «الحياة» ان مطلع الشهر المقبل، سيشهد تنشيطاً للزيارات بين البلدين على مستوى المؤسسات والوزارات للبحث في تنفيذ ما اتفق عليه خلال زيارة الحريري، بعد طول انقطاع. وبينما رأت الخارجية الفرنسية ان الزيارة تعبّر عن الرغبة في علاقات ندية حرص عدد من سفراء الدول المهتمة بلبنان وعلاقته بسورية على الاستفسار عن مضمونها. وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ان الحريري وضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار وأصبح رجل دولة. وقالت مصادر تسنى لها الاطلاع على جانب من الزيارة ان التوافق بين الأسد والحريري على ترسيم الحدود بين البلدين شمل ان تبدأ العملية من الحدود الشمالية وصولاً الى البقاع ثم الجنوب لاحقاً، كما كانت سورية تقترح منذ سنوات، وأن ما جاء على لسان المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان في شأن مساهمة المجلس الأعلى اللبناني - السوري في تعزيز العلاقة، جاء في سياق بحثٍ بين الأسد والحريري حول إيجاد صيغة جديدة للمجلس على ان يتحول الى هيئة للتعاون الاستراتيجي، يشمل القضايا الاقتصادية التي أخذت حيزاً مهماً من المحادثات. كما أوضحت المصادر ل «الحياة» ان ايجابية المحادثات بين الأسد والحريري شملت التوافق على صيغة مباشرة للتواصل بينهما من دون وسطاء كما كان يحصل سابقاً بين كبار المسؤولين اللبنانيين وسورية. مجلس الوزراء وأذاع وزير الإعلام طارق متري وقائع جلسة مجلس الوزراء بعد انتهائها ليلاً فقال ان مجلس الوزراء أكد شجبه للاعتداء على الحافلة السورية واعتباره هذا الحادث محاولة تخريبية موجهة ضد العلاقات اللبنانية – السورية وأعطى التعليمات اللازمة للأجهزة العسكرية والأمنية لاتخاذ الإجراءات الفورية للكشف عن الفاعلين وملاحقتهم وتوقيفهم وإطلاع السلطات السورية على مجرياتها بواسطة القنوات الديبلوماسية. وأضاف الوزير متري ان رئيس الجمهورية أطلع مجلس الوزراء عما دار خلال زيارته الى واشنطن، مشيراً الى انها كانت مناسبة للتأكيد على الثوابت الوطنية المتفق عليها وللاستماع الى وجهة نظر الإدارة الأميركية ومناقشتها. وأنه طلب دعم الجيش اللبناني بأسلحة متطورة ضد الدبابات وضد الطائرات وبتجهيزات للاتصال والرصد لإقدار لبنان في مجال الدفاع عن حدوده ضد العدو الإسرائيلي والتصدي له. كما كرر رئيس الجمهورية خلال محادثاته في واشنطن الموقف اللبناني الداعي الى تطبيق القرار 1701 بمندرجاته كافة والضغط على اسرائيل لوضع حد لانتهاكات السيادة الوطنية جواً وبحراً. وأوضح سليمان لمجلس الوزراء ان مسؤولين في الولاياتالمتحدة أبدوا قلقهم من تهريب السلاح ومن احتمال تهريب سلاح متطور الى لبنان ومن الخروق للقرار 1701 من حيث إطلاق النار من الجانبين. فأكد رئيس الجمهورية أمام محدثيه «ان لبنان يعمل لمنع كل أنواع الخروق وأن مسألة السلاح موضوع للحوار الوطني في لبنان». وقال متري ان الحريري تحدث عن زيارته الى المملكة العربية السعودية التي جددت دعمها الكامل للبنان وحكومته، والتي لعبت دوراً كبيراً في التمهيد لزيارة رئيس مجلس الوزراء لدمشق والتي تأتي في سياق تحولات على صعيد العلاقات العربية - العربية نحو تحقيق المصالحات والتشديد على التضامن العربي. كما تحدث الحريري عن زيارة ناجحة الى سورية بعد قطيعة طويلة، ونقل عن الحريري قوله ان الجو الذي سادها هو الوضوح والصراحة والصدق من الطرفين. وأوضح الحريري ان البحث جرى في دمشق في القضايا التي تهم الشعبين والدولتين والقضايا وضرورة بناء العلاقات اللبنانية - السورية على الصراحة والصدق حتى تكون مميزة، كذلك جرى البحث في تعزيز العلاقات الاقتصادية لمصلحة كل من البلدين. وبالنسبة الى حادث الحافلة السورية رأى الحريري انها موجهة ضد لبنان وضد ما حققته زيارته الى دمشق.