ما وقع بجدة كارثة مأسوية ستستحيل أوزاراً كاملة يوم القيامة، يحملها مجرمون في ثياب كِبار، وعلى هول الفاجعة بها إلا أننا نخشى أن تتبعها حوادث تنسيها، فننساها وننسى معها أكابر مجرميها، ونمنح التاريخ فرصة أن يعيد نفسه بصورة أخرى. والموقف الرسمي من الفاجعة يبعث في قلوبنا شيئاً من الفأل والطمأنينة، غير أن ما يقلق بحق أن تتعامل الجهات الحكومية مع الكارثة باعتبارها حالة طارئة، ومن ثم تعالج بطريقة استثنائية. أزمتنا لا تنتهي بانتهاء أزمة تصريف السيول، ولا بحل أزمة الصرف الصحي، فإن البلد متخم بأزمات يرقِّق بعضها بعضاً، فهل نسينا أزمة البطالة؟ وأزمة الشعير والدقيق؟ وأزمة المياه في مناطق ممطرة؟ المأساة التي هي أعظم من هذه الكارثة العظيمة أنه كلما حُلت أزمة خرجت مكانها أزمات، إن معنى هذا أننا لا نزال نعالج أعراضاً طافحة لمرض متجذر العروق، نعم لا بد من لجنة عليا عاجلة لمأساة جدة بخاصة، ولكن لا بد من التعمق في إصلاح الفساد المالي والإداري، يجب أن يطاول الإصلاح التنظيمَ الإداري والقانوني والمدني، وأن يُمنح المواطنون مساهمة فعالة في النقد والمحاسبة بشفافية في جو يُشعر بالأمان، ويشعر فيه المسؤولون وذوو العلاقة بمشاريع التنمية والتطوير والإنشاء بصرامة الرقابة والمحاسبة. يجب ألا ننسى أن الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (43) وتاريخ 1/2/1428ه نصّت على: 1. ضرورة مشاركة المجتمع لتحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد، كما في الفقرة 4 من بند (الوسائل) «مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد». 2. «توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي»، كما في الفقرة 5 من الوسائل، وذلك من خلال «إعداد حملات توعية وطنية تحذّر من وباء الفساد». 3. «الإبلاغ عن جرائم الفساد ومرتكبيها». 4. «كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عموم الجمهور ووسائل الإعلام». وعلى كل حال فخطوات الإصلاح تستغرق وقتاً ليس بالقصير، فالبناء أصعب من الهدم، ويفتقر إلى ما لا يفتقره الهدم من التخطيط والتدقيق والتنظيم والمتابعة.. وإن كنت تفهم من هذا ضرورة الصبر فيجب أن تفهم معه أن الصبر لا يعني السكوت وإحباط النفوس. * أكاديمي في الشريعة [email protected]