طغى الطابع «الدعائيّ» هذه السنة على إحياء تونس لليوم العالمي للمعوقين الذي أعلنته الأممالمتحدة منذ العام 1992 لدعم ذوي الحاجات الخاصة. وجاءت الدعاية الإعلامية التي رافقت هذه المناسبة في تونس، متناغمة مع ما تردّده الحكومة دوماً عن «سهرها وسعيها المتواصلين لإدماج هذه الفئة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية». تونس التي صادقت عام 2006 على اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الأشخاص المُعوقين، وأصدرت في 2005 قانوناً لحماية المعوقين ورعايتهم وإدماجهم، أحصت اكثر من 152 ألف معوّق نصفهم من الشباب في مختلف المحافظات. والمعوّق أو صاحب الحاجات الخاصة كما درجت التسمية، هو «كلّ شخص له نقص دائم في القدرات والمؤهلات البدنيّة أو العقليّة أو الحسيّة ولد به أو لحق به بعد الولادة يحدّ من قدرته على أداء نشاط أو أكثر من النشاطات الأساسيّة اليوميّة الشخصيّة أو الاجتماعية ويقلّص من فرص إدماجه في المجتمع». الطالبة منيرة (23 سنة) تكابد يومياً لتصل إلى كليتها بواسطة كرسيّها المتحرّك الذي لم يُصمّم لمسافة تكاد تبلغ نصف كيلومتر تفصل بينّ مقرّ سكنها ومكان الدارسة. «وعدني المسؤولون أنا وغيري من المعوقين بإعداد حافلة من الحجم الصغير تقلنا يومياً إلى كلياتنا ومعاهدنا على غرار ما حصل عليه بعض زملائنا في مناطق أخرى، لكن ذلك لم يتحقّق بعد» تقول منيرة. وتضيف: «أحد أهمّ مشاكل المعوّق هي التنقّل من مكان الى آخر، لا يمكن وصف معاناة المُعوقين بدنيّاً أثناء تنقلهم بقواهم الذاتية من دون مساعدة الآخرين». وتعتبر الحكومة التونسيّة إنّ الإعاقة «لا يمكن أن تكون سبباً في حرمان مواطن من الحصول على شغل في القطاع العام أو الخاص إذا توافرت لديه المؤهلات اللازمة للقيام به وإذا لم تكن إعاقته سبباً في إحداث ضرر أو تعطيل في السير العادي للعمل». وحصل عدد غير قليل من الشباب المعوق على شغل مناسب بموجب الاهتمام الذي أولته الحكومة لهم و «الأولويّة» التي تخصّهم بها في حالات كثيرة. لكنّ الحظّ لم يكن من نصيب الجميع أو بالتساوي، فمحمّد (26 سنة) الذي أصيب بإعاقة في رجله اليسرى منذ الصّغر أفنى أربع سنوات من حياته بحثاً عن شغل يحفظ له كرامته كما قال ل «الحياة». وعلى رغم ذلك ما زالت أبواب سوق العمل موصدة أمامه وهو يعتبر أن إعاقته هي السبب الرئيس في تجاهل مطالبه في الحصول على عمل. قانونيّاً، تضمن تشريعات تونسية عدّة الرعاية الاجتماعية للمعوق من خلال تحمل نفقات العلاج والتداوي والأجهزة التعويضية ومصاريف إعادة التأهيل التي تستلزمها حالة المعوق، لكنّ عدم تساوي الفرص في الحصول على عمل مناسب هو الشكوى التي تتردد في حالات كثيرين من الشّبان المعوقين. والواقع أن تونس سنت قوانين لتدعيم الوقاية من الإعاقة وتهيئة المحيط لتيسير التنقل والاتصال، وإقرار مجانية العلاج لهم والعمل على إدماجهم في مجالات الثقافة والترفيه والرياضة. وتنشط جمعيات ومراكز كثيرة في مجال مساعدة المعوّق تقدّر ب 96 جمعية إضافة إلى 279 مركزاً للتأهيل والإدماج. لكنّ تردّد المعوقين عليها يبدو ضعيفاً للغاية. وتبقى جمعية «بسمة» التي أسّستها في شباط (فبراير) من العام 2000 زوجة الرئيس التونسيّ السيدة ليلى بن على، أهمّ جمعية تعنى بذوي الحاجات الخاصة وهي تسعى إلى «تشغيل المعوقين سواء تعلق الامر بالعمل المؤجر أو بالعمل للحساب الخاص من خلال نشر روح المبادرة لديهم وتشجيعهم على الاعتماد على الذات ودفعهم الى المساهمة الفعلية في اندماجهم الاجتماعيّ والاقتصاديّ». ومما يحتسب للجمعية انها نجحت في إيجاد مئات فرص العمل لشابات وشبان من ذوي الحاجات الخاصة، وخصوصاً من خريجي الجامعات على غرار سمر (30 سنة) التي حصلت أخيراً على وظيفة بفضل «بسمة». وتقول سمر ل «الحياة»: لم تكن لديّ ثقة بهذه الجمعيات، كنت اعتقد أنها جُعلت للدعاية وإقامة الندوات الفكريّة للتباهي أمام المجتمع الدولي، لكنها تساعد المعوقين بالفعل في إيجاد عمل يناسب اقتداراتهم واحتياجاتهم الخاصّة». ويحسب لفئة المعوقين في تونس الانجاز الكبير الذي حققه فريقها الرياضيّ في ألعاب أولمبياد بكّين في العام 2008، إذ نجح المنتخب التونسيّ حينذاك في الحصول على عدد مهم من الميداليات المختلفة ليتفوق على فريق «الأسوياء» الذى اكتفى بميدالية ذهبية وحيدة حققها السّباح أسامة الملولي. وجمع منتخب تونس للمعوقين نصف الميداليات التى حصل عليها الرّياضيّون العرب في دورة بكين. لكنّ في الجهة المقابلة، ذكرت منظمات حقوقية مستقلّة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أنّ هذه الفئة لم تسلم من التضييق، إذ أثارت محاكمة ثلاث شبّان معوّقين وهم إلياس سلام (إعاقة ذهنية،) وصحبي الحوات (إعاقة ذهنية) وبديل الجازي (انفصام في الشخصية)، جدلاً ولغطاً كبيرين على الساحة الحقوقيّة، خصوصاً أنّ وزارة «الشؤون الاجتماعية والتضامن» أصدرت وثائق تثبت إعاقاتهم. وعلى رغم ذلك صدر بحقّ كل منهم حكم بالسجن لمدّة ثلاثة أشهر لجنح كان يفترض أن تحولهم إلى مستشفى الامراض العقلية أو اقله العلاج.