هل ستمر زوبعة الخروج الفاضح عن الأخلاق والتقاليد المهنية التي سادت أيام «معركة» المباراة الأزمة، من دون وقفة عربية جادّة؟ قد يبدو السؤال لبعضهم محاولة لنبش ما يهرع آخرون لتجاوزه من حكايا الأزمة وذيولها، لكن الامر ليس كذلك حين نأخذه في إطاره الإعلامي والفضائي التلفزيوني بالذات... فشاشات عدة، وإعلاميون «كبار» رأيناهم وسمعناهم من الشاشة الصغيرة وقد تقمّصوا أدوار مشجّعين مهووسين، فأطلقوا من برامجهم صيحات التحريض والدعوات الى الثأر، مساهمين مباشرة في توسيع هوّة الافتراق المصري الجزائري، ودافعين البسطاء من المشجّعين الكرويين إلى السقوط في وهم البحث عن «الكرامة الوطنية» التي اعتقدوا أنها ضاعت في حمّى الصراع الكروي وارتداداته وتوابعه. تحدث كثر في السنوات القليلة الفائتة عن «ميثاق شرف» إعلامي، وكاد الحديث يقتصر على ما يمس «الثوابت» التي تعتمدها الحكومات، من دون أن نراه فاعلاً في حقل المسّ بالثوابت المهنية والأخلاقية. ثوابت نعتقد أن غيابها يشرّع الأبواب للصراعات الغريزية، أعراقاً وطوائف وأدياناً، ناهيك بالحاجة الى حماية المشاهد العربي البسيط من فوضى باتت تدفعه لتيه سياسي ووطني هو بالتأكيد في غنى عنه. هل ندعو هنا إلى محاكمة «مجرمي الحرب الإعلاميين»؟ من المهم، لتجاوز ما حدث، تسليط الضوء على الدور الخطير الذي لعبه بعض الإعلام التلفزيوني، بالتالي إدانة تلك الأصوات التي غرق أصحابها في التحريض الشوفيني وأسهبوا في استخدام لغة الشتائم في شكل يعد سابقة على الصعيد الإعلامي... انزلاق بالغ الخطورة وقع به التلفزيون خارج قيم المهنية ومثلها وما يرتبط بها من تقاليد احترام الآخر وقيمه ورأيه ومواقفه مهما تكن درجة الاختلاف أو حدّتها. مخطئ من يدعو الى لفلفة ما جرى على عجل تحسباً لمضاعفات قد تأتي، فقد «وقعت الواقعة»، وهي بآلامها وما نتج منها من تباعد تفرض مراجعة جدّية تأخذ في الحسبان ذلك كلّه، وتكون خطوة أولى على طريق إعلام تلفزيوني حقيقي لا يفرد شاشاته لمثل ما سمعنا ورأينا. نشير الى ذلك ونحن نعرف أن تحقيقه في عالم عربي براهنه السياسي والإعلامي ليس مؤهلاً لذلك، لكننا مع ذلك نفعل ونكرّر الفعل.