ينطلق غداً السبت الاحتفال ب «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحضور وزير الثقافة تمام سلام ويتحدث في الاحتفال رئيس الجمهورية والوزير سلام والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس بلدية بيروت عبدالمنعم العريس، اضافة الى قراءات من جبران خليل جبران. هنا تحقيق عن هذه التظاهرة التي ستمتد سنة. لا تزال بيروت تناضل للاحتفاظ بموقعها الثقافي، على رغم تفوّق سوق الاستهلاك في مجال الطباعة والنشر، نظراً إلى غياب الاهتمام بالقراءة واضمحلال عدد القراء يوماً بعد يوم. فهل ستُبدّل سنة 2009 التي ستشهد احتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، الصورة الشاحبة التي باتت عليها المدينة بعدما كان قطاعها الثقافي من أهم مقومات اقتصاد لبنان؟ ولعل كلام المنسقة العامة للاحتفالية الدكتورة ليلى بركات التي أكدت ل «الحياة» أن «بيروت ستشهد سنة ثقافية لم تشهد مثلها من قبل»، يبشّر بالخير، خصوصاً أن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الثقافة اللبنانية التي تشرف على الاحتفالية مع فريق عمل منفصل عن الوزارة، «أقيمت على استنهاض المجتمع المدني، من أجل النهوض بالتنمية الثقافية المستدامة». وتتوخى الوزارة «تغييراً كبيراً في التوجهات الثقافية والتربوية، وألا يقتصر الحدث على الترويج والتسويق»، بحسب بركات. أول ما يتبادر الى الذهن في الاحتفالية هذه، ذكرى بيروت عاصمة للثقافة العربية، قبل عشر سنوات، ولم تتمكن العاصمة حينها من بلورة تلك الصورة، بل يمكن القول إنها لم تنجح في إحياء ذلك الاحتفال. فهل وضع فريق العمل الحالي في الاعتبار الأسباب التي أدت الى فشل بيروت عاصمة للثقافة العربية، كي يتحاشى أي تهديد بعدم النجاح؟ تقول بركات إنها عندما كلّفها وزير الثقافة تمام سلام مهمتها كمنسقة للاحتفالية قيّمت التجربة السابقة، واكتشفت أن «أموالاً كثيرة وزّعت في شكل فوضوي على المشاركين من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهيلة، كما أن المشاركين لم يُنفّذوا ما اتفق عليه ولم يحاسبهم أحد». لذا ارتأت بركات أن أي مشروع ستتقدم فيه أي جهة أو فرد عربي أو أجنبي، يجب أن يملأ استمارة مفصّلة حول الفكرة وآلية تنفيذها والأموال التي يحتاجها. و«بعد دراسة جدوى المشروع وبلورته والتحقّق من قيمة المدفوعات وتصويب التمويل، يوافق عليه أو يُرفض بحسب معايير الوزارة التي «تهدف الى إعطاء كل مواطن الحق بالثقافة». على أن توقّع الجهة المتقدمة بالمشروع اتفاقاً قانونياً دقيقاً، يحاسب بموجبه كل من يخالفه. وتشير بركات الى أن التصوّر العام هو «خلق دينامية ثقافية على الصعيد الوطني يشارك فيه كل مواطن ضمن الأهداف الموضوعة، والتركيز على إعداد الحملات الإعلامية ونشاطات التوعية واختيار البرامج وتنسيقها على مدى السنة وفق أولويات وإطار زمني يؤمن الفعالية والتطور». وكل ذلك من «أجل ثلاثة أهداف أساسية، أولها تدعيم قطاع الكتاب في لبنان في مراحله المختلفة من تأليف وإنتاج وتوزيع وإيلاء الأفضلية للإبداع وتشجيع الابتكار ورفع مستوى الطباعة والتوسع في هذه الصناعة ورفع النسبة العامة الوطنية في القراءة. ثانياً، تشجيع المطالعة في الأماكن العامة وإدخال الكتاب الى كل بيت، وتثبيت سلوكية ارتياد المكتبات. وثالثاً، تبني مقاربة متنوعة نحو الثقافة ترتكز الى «الانفتاح على الحضارات العالمية». وبناء على هذا التصور وضعت بركات وفريق العمل المؤلف من 30 شخصاً يعملون كخلية نحل في حرم قصر «يونيسكو» في بيروت، آلية عمل متقنة لدرس المشاريع المقدّمة، وبلورتها، ومراقبة نوعيتها ومتابعة سيرها. وأشارت الى أن التصوّر أخذ في الاعتبار ألا تكون بيروت وحدها محور النشاطات، بل ستتوزع على مختلف المدن والمناطق الريفية، لأن أهالي المناطق هم الشريحة المستهدفة من الاحتفالية لتشجيعهم على القراءة والمطالعة. دعت بركات المثقفين في لبنان كي يكونوا على مستوى الحدث والمشاركة بكل طاقاتهم، لأن الحدث عالمي وليس محلياً «ونحن أمام تحدٍ كبير لإنجاحه». خصوصاً أن الجدول الزمني للتقدم ببرامج المشاريع المقترحة سيبقى مفتوحاً، ليُعطى كل فرد أو مؤسسة فرصاً أكبر. وأكدت «ان لبنان كله سيكون في مستوى الثقة العالمية بالمدينة»، والسبيل الى ذلك ما أسمته «نهج الشراكة» بين الوزارة وبلدية بيروت ونقابة الطباعة واتحاد الكتّاب ونقابة الناشرين، إضافة طبعاً الى كل الذين يتقدمون بأفكار ومقترحات مشاريع فنية وثقافية. لكن من المعروف أن المدن التي تسمى عاصمة عالمية للكتاب، تبدأ تحضيراتها لهذا الحدث قبل سنة أو سنتين، لماذا تأخر فريق العمل في لبنان في التحضير وما الأسباب التي أدت الى ذلك؟ تفيد بركات أن إعلان «يونيسكو» عندما صدر بأن بيروت ستكون عاصمة عالمية للكتاب، كان «البلد مقسوماً ومشغولاً بين معارضة وموالاة، والوضع غير المستقّر سياسياً انعكس سلباً على تأخير التمويل. وإن لم يحضر التمويل لا يمكننا تشكيل فريق عمل». وتضيف: «في أيلول (سبتمبر) 2008 بدأنا بخطة العمل، بعد تولي تمام سلام الوزارة، علماً أن الوزير السابق طارق متري كان كلّف لجنة تنفيذية وفريق عمل للتحضير للاحتفالية. لكن خلافات نشبت بين اللجنة وفريق العمل، ما أدى الى استقالة المنسقة العامة تانيا مهنا، قبل وضع أي خطة عمل أو طلب أي تمويل». إلا أن «تأخر الحكومة في صرف التمويل كان السبب الأساسي، إذ وصلت أول دفعة منه من المؤسسات والسفارات في أول آذار (مارس) الماضي، أما الجزء الثاني الذي منحته الحكومة فوصل في آخر الشهر نفسه». أما التمويل الذي طال انتظاره، فيبلغ ثمانية ملايين دولار أميركي (4 ملايين من الدولة اللبنانية و4 ملايين من المؤسسات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني)، ستنفق كتمويل لنحو 220 مشروعاً (130 منها تموّلها الوزارة)، هي عبارة عن أفكار واقتراحات يتقدم بها الأفراد أو المؤسسات أو الجمعيات، إضافة الى ما ستقوم به سفارات 20 بلداً من أنشطة ومعارض، غالبيتها أجنبية، ومنها اسبانيا والمكسيك وفنزويلا وفرنسا (طبعاً) وألمانيا وإيطاليا. لكن بركات أكدت أن أكثر من 160 مشروعاً باتت مؤكدة. ولكن ماذا لو أن الوزير تمام سلام سُلّم حقيبة وزارية أخرى بعد إجراء الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) المقبل، وحلّ مكانه وزير آخر، فهل ستُعدّل خطة العمل أم أن البرنامج سيتواصل؟ تستبعد بركات تعديل الخطة التي وضعتها خصوصاً أن هناك اتفاقات موقعة مع مؤسسات ومواطنين وسفارات، والوزارة ملزمة تنفيذها. نشاطات محلية وعالمة وتنفي بركات أن تكون نشاطات الاحتفالية محصورة بالمشاريع المحلية، مؤكدة أن هناك مشاريع مشتركة مع نحو 20 سفارة أجنية لإقامة مشاريع ذات طابع عالمي ولاستضافة كتاب ومثقفين من بلاد أجنبية. وفي 23 نيسان (أبريل) الجاري سيكون الوزير تمام سلام في قصر الأونيسكو في باريس لاستلام الشعلة من أمستردام التي استضافت الحدث العام المنصرم. ويمكن الاطلاع على كل ما يتعلّق باحتفالية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» على الموقع الإلكتروني www.beirutworldbookcapital.com ينطلق في 27 الجاري، معرض «حوار التصاميم» الذي تنظمه السفارة الإسبانية. ويضم 450 كتاباً تم نشرها في اسبانيا بين عامي 2000 و2006، من أجل إبراز أفضل الكتب الإسبانية التي تتمتع بتصاميم إبداعية مميزة. ويقام بالتوازي معه معرض لكتب منشورة في لبنان تحمل تصاميم مبتكرة، وتعقد طاولات مستديرة مع أصحاب الاختصاص في صناعة الكتب لتبادل وجهات النظر والخبرات. وينطلق في اليوم نفسه موقع على الإنترنت للقصص الخيالية بالعربية والفرنسية والأنكليزية، هو عبارة عن منبر تعاون في حقل الكتابة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. الفكرة الأخرى اللافتة هي «مدرسة الحكاية» التي ينظمها مسرح مونو، لإعداد العاملين في المكتبات العامة وتدريبهم على فن الحكاية وابتكار «سوق الحكاية» وتنظيم مهرجان للحكاية العربية في الهرمل. وتقدم دار قنبز مشروع إطلاق «فليب بوك» عن مدينة بيروت في 23 الجاري. وال «فليب بوك» عبارة عن كتب بمثابة «سينما الجيب». وستتناول هذه المجموعة 12 موضوعاً متعلقاً ببيروت (الكورنيش، التنظيم المدني، الماراثون، المواقع الأثرية...). السفارة الفرنسية ستدعو شعراء فرنسيين للقاء الجمهور اللبناني وتنظم تظاهرات حول الشعر، وتكرم تراث الشعر العربي في مقابل الشعر الأورو متوسطي. وبعنوان «مطالعات غير مألوفة» سيعاد اكتشاف مدينة بيروت من خلال أمسيات قراءة لنصوص في أماكن غير مألوفة أو معروفة قليلاً (فكرة للسفارة الفرنسية أيضاً) أما جامعة القديس يوسف في بيروت فتنظم في 15 أيار تحت عنوان «الكتّاب، مساحو المدينة» لقاءات مع كتّاب من العالم: ستة كتّاب لبنانيين وثمانية عرب وفرنسيين وإسبان وأنغلو ساكسونيين وتشهد اللقاءات نقاشات إضافة الى لقاءات فردية بين الكتّاب والطلاب وتلامذة المدارس وحفلات توقيع في المكتبات. ومن أبرز النشاطات المرتقبة: «بيروت 39» الذي ينظمه مهرجان «هاي» بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية والمجلس الثقافي البريطاني، وينطلق في أيار (مايو) المقبل باختيار 39 كاتباً عربياً من روائيين وشعراء دون الأربعين من عمرهم، لتكريمهم وإجراء لقاءات جماهيرية معهم. وسيكون اللبنانيون والعرب على موعد مع نقاش مع كبار الكتاب الفرنكوفونيين مثل جان ماري لو كليزيو، وعتيق رحيمي، وياسمينا خضرا، ابتداءً من منتصف الصيف المقبل. وستفتح العاصمة اللبنانية قلبها لتتلقى «رسائل الى بيروت» بكل لغات العالم من كتاب عرب وأجانب، يكتبون فيها ما يحلو لهم عن أحاسيسهم تجاهها سواء أحبوها أو كرهوها. وهذا البرنامج تنظمه السفارة الفرنسية بالتعاون مع البريد اللبناني «ليبان بوست»، وتدرج الرسائل في موقع الكتروني www.lettresabeyrouth.org وكان «مجلس العمل اللبناني- أبو ظبي» أعلن تأسيس جائزة الأدب اللبناني التي تمنح لأفضل نتاج أدبي لبناني (شعر، نثر، رواية، مجموعة قصصية، نص مسرحي، شعر باللهجة العامية أو المحكية، بحث تاريخي) خلال العام 2009، قيمتها 50 ألف دولار. ولبنان هو المحور الذي تدور حوله الكتابة. ولم تنس الاحتفالية المسرح الذي خصّصت له نشاطات وبرامج وإصدارات كتب مسرحية ضمن «ملتقى الكتاب والمسرح». ومن البرامج المميزة «لقيت كتاباً» يقوم به دار الساقي، و«سحبة» تنظمه «حركة السلام الدائم»، و«مكان عام للمطالعة، الجلوس غير إلزامي» تجهيز لندى صحناوي، و «بيروت تعشق الكتب» فيلم روائي تسجيلي لجوسلين صعب. وفي أيار تنظّم دار النهضة العربية بالتعاون مع بيت الحكمة في بغداد ومنظمة التنمية الإدارية في جامعة الدول العربية، المؤتمر العربي لتقنيات صناعة الكتاب «لتكريس دور بيروت المميز في هذه الصناعة».