أخيراً التحقيق الرسمي البريطاني في الحرب على العراق، واليوم أسلحة الدمار الشامل (أكتب الأربعاء) بعد أن كان أمس عن السياسة البريطانية ازاء العراق سنة 2001 وكيف دخلت بريطانيا الحرب، وهو الخميس عن العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وغداً الجمعة عن تطورات المناقشة في الأممالمتحدة. التحقيق سيستمر 18 شهراً برئاسة السير جون تشيلكوت، أي إن التقرير النهائي سيصدر بعد الانتخابات البرلمانية السنة المقبلة، وأهمية التحقيق القدرة على استدعاء الشهود، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق توني بلير، ومراجعة ألوف الأوراق من التقارير، ونشر بعضها، خصوصاً أن كثيراً منها تسرب قبل بدء التحقيق وهو في أكثره نوعان مما كتب القادة العسكريون البريطانيون في العراق، وهما «ما بعد العمليات» و «دروس مستفادة». ما نعرف حتى الآن من الوثائق المسربة، خصوصاً ما نشرت «الصنداي تلغراف» في مطلع الأسبوع هو أن بلير خدع البرلمان، فهناك ما يثبت أنه اتفق مع جورج بوش على خوض حرب على العراق في 7/2002، وكتم المعلومات عن البرلمان، بل كذب على الأعضاء وهو يقول إن الهدف نزع سلاح العراق لا تغيير النظام، مع وجود وثائق تظهر أنه مع مجموعة صغيرة جداً حوله بدأ يخطط للحرب في آذار (مارس) 2002، أو أيار (مايو) على أبعد تقدير. اللافت في التقارير حتى الآن أن القادة العسكريين البريطانيين شكوا بمرارة من تصرف القادة الأميركيين، وسجلوا كيف أن الأميركيين اختاروا حلاً عسكرياً وعنفاً في كل مواجهة، وحاربوا أنصار مقتدى الصدر ما أطلق عنفاً هائلاً، ولم يصغوا الى نصح البريطانيين أن يحاولوا استمالة الناس، فهذا لم يحدث إلا بعد «خراب البصرة» مجازاً وواقعاً، وتولي الجنرال ديفيد بتريوس القيادة، فهو اختار رشوة الخصوم بعد أن أدرك أنه لن يهزم المقاومة والإرهاب بالسلاح فقط. ما سبق كله يعني البريطانيين بالدرجة الأولى والأميركيين بعدهم، ولكن ما هو موقف العرب والمسلمين؟ هم يلعبون «كورة». الحرب على العراق قتلت مليون مسلم، والرقم من مصادر طبية أميركية وبريطانية، وهناك جماعات على جانبي المحيط الأطلسي تتهم بوش وبلير وديك تشيني وأركان عصابة الحرب الآخرين بأنهم مجرمو حرب وتطالب بمحاكمتهم، فيما بوش يلقي محاضرات، وهو جاهل أحمق، وبلير الخبيث يجمع الملايين بحرية، وببراءة الأطفال في عينيه. البريطانيون يريدون التحقيق لأن بضع مئات من الجنود قتلوا في العراق (وأفغانستان) والأميركيون يطالبون برؤوس حكومة الحرب لأن أربعة آلاف جندي أميركي قتلوا في العراق وألفاً قتلوا في أفغانستان، غير أن مليون عراقي قتلوا في الحرب على العراق ولا يطالب بالعدالة لهم أحد، وهناك ألوف قتلوا في أفغانستان وباكستان، والقتل مستمر، وأفظعه بأيدي الإرهابيين من القاعدة والمتخلفين دينياً من طالبان، وأمة الإسلام ساكتة عن ضحاياها، بل تنكر وجود مشكلة. عندما كانت «الصنداي تلغراف» تنشر التقارير المسرّبة اليها عن الحرب على العراق كانت مجلة «الصنداي تايمز» تخصص غلافها وثماني صفحات في الداخل لتحقيق ملون هائل، قصّرت الميديا العربية كلها عن مثله، عن المشوهين والمشوهات من أطفال العراق ضحايا الحرب، وفي أسفل الغلاف «نداء عيد الميلاد من الصنداي تايمز لأطفال العراق». لم أسمع عن «نداء عيد الأضحى لأطفال العراق»، ربما لأننا مشغولون بلعب «الكورة» وأنا هنا لا أتحدث عن مصر والجزائر تحديداً، بل عن كل بلد عربي أو مسلم، من المغرب وحتى أندونيسيا. الصور المنشورة مع التحقيق مخيفة، من جروح أكلت الوجه والمعصم، الى حروق وقلع عيون، الى أوصال مبتورة، ولا ذنب للأطفال الضحايا سوى أنهم ولدوا لهذه الأمة البائسة. أكتب على خلفية القرار الأميركي بمحاكمة المتهمين بإرهاب 11/9/2001 في نيويورك، وهو كان إرهاباً فظيعاً يستحق المخططون له أشد عقاب. غير أن مليون عراقي بريء قتلوا بعد ذلك في إرهاب أفظع، ولا أحد ينتصر لهم، والأمة ماتت... عذراً نامت. [email protected]