أخيراً، عاد «مصادم هادرون الكبير» Large Hadron Collider بعد توقّف قسريّ دام ما يزيد عن السنة. والمعلوم أنه يدار من قِبل «المركز الأوروبي للبحوث النووية» «سيرن» CERN. وانطلقت حزم الجزيئات الذرية فيه لتدور باتجاه عقارب الساعة، في ممراته التي يصل طولها الى 27.4 كيلومتراً، عند الحدود الفرنسية السويسرية، بطاقة 3.5 تيرا - إلكترون فولت («تيرا» تعني ألف بليون، والإلكترون فولت وحدة لقياس الطاقة على مستوى الذرّة). والمعلوم ان أشعة الضوء المرئي تحمل كميات كبيرة من الطاقة على شكل كرات صغيرة، يطلق على كل منها اسم «فوتون». ويحمل الفوتون طاقة معدّلها حوالى 2 إلكترون فولت. وفي المقابل، فإن كل «فوتون» في «أشعة - إكس» المستعملة في التصوير الطبي، يحمل قرابة ألف إلكترون فولت. ولا تمثل طاقة ال3.5 تيرا - إلكترون فولت أقصى ما يمكن الجهاز إنتاجه من الطاقة. ويأتي هذا الخيار بعد التدقيقات والمراجعات التي خضعت لها الموصلات الكهربائية ذات التيار العالي للجهاز وانتهت في الصيف الفائت. وفي حديث الى وسائل الإعلام، قال رولف هووِر المدير العام لمركز سيرن: «اخترنا طاقة 3.5 تيرا - إلكترون فولت كبداية لأنها تتيح لمشغلي «مُصادم هادرون» أن يُطوّروا خبراتهم في تشغيل الجهاز بأمان، أثناء السلسلة الجديدة من الاختبارات». ويعتبر مُصادم «هادرون» الأضخم عالمياً، والأكثر تقدماً أيضاً، ما يجعل نتائج تجاربه مهمة لعلوم الفيزياء الذرية عموماً، وخصوصاً تلك التي تبحث في الطاقة العالية ونظريات الفيزياء الكمومية. وقدّمت الولاياتالمتحدة خبرة 150عالماً لدعم هذا المشروع الأوروبي الضخم. والمعلوم أن حريقاً شبّ في أحد موصلات الطاقة في الجهاز، في 19 أيلول (سبتمبر) 2008، ما تسبّب بإيقاف تشغيل المُصادم. وتوجّب على العلماء، حينها، انتظار تبريده قبل الشروع بصيانته وإصلاح أعطاله، واستبدال الملفات المحروقة فيه. وتضمّنت تلك العملية إعادة تفحّص عشرة آلاف ناقل للكهرباء من النوع الفائق التوصيل (يسمى «سوبر كوندكاتر» Super Conductor)، تساهم في التيار العالي الذي يتدفق في الجهاز، والذي أدى خلل فيه الى احتراق المُصادِم في العام الماضي. وفي حالتها العادية، تتمتع الأجهزة الفائقة التوصيل بمقاومة متدنية جداً للكهرباء، ما يعني انخفاض ما يتولد حولها من حرارة. في عدد قليل من الحالات، تُظهر تلك الموصلات الفائقة مقاومة غير مألوفة، ما يؤدي الى كثير من الخلل في عمل المُصادم، وكذلك يوجب استبدال تلك الموصِلات الشاذة. وفي وضعه الراهن، بات «مُصادم هادرون الكبير» على مستوى عالٍ من الأمان، ما طمأن المسؤولين عنه الى انه سيعمل لعام على الأقل من دون صيانة أخرى. وعبر هووِر عن هذا الأمر قائلاً: «أصبح «مُصادم هادرون» أكثر قابلية للفهم مما كان عليه السنة الماضية، وبإمكاننا اليوم التطلع إلى الأمام بثقة أكبر وحماسة لتشغيل ناجح ومنتظم خلال الشتاء المقبل والسنة المقبلة كذلك». ويتضمّن مخطط التشغيل لعام 2009 ضخّ حزمات في اتجاهين متعاكسين داخل الأنبوب المغناطيسي، ثم مصادمتهما لاحقاً، وكذلك رفع الطاقة إلى المستوى الذي تتطلبه الاختبارات المُعقّدة التي تُجرى فيه. وتبدأ عملية تسجيل البيانات والمعطيات الناتجة من اصطدام الجزيئات بعد أسابيع قليلة من إنطلاق العمل. ويستمر هذا المُصادم في العمل بطاقة 3.5 تيرا - إلكترون فولت، خلال المراحل الأولى من عمله، ما سيزيد من خبرة فريق العاملين على الجهاز. بعد ذلك، يرفع مستوى الطاقة الى 5 تيرا - إلكترون فولت. و في نهاية 2010، يعمل «مُصادم هادرون» بحزم من أيونات الرصاص، للمرة الأولى. ثم يطفأ تمهيداً لتشغيله بطاقة 7 تيرا - إلكترون فولت، وهي طاقة غير مسبوقة في تجارب الفيزياء الجزيئية والنووية حاضراً. والمعلوم ان «المنظمة الأوروبية للبحوث النووية» (مقرها جنيف)، هي المختبر الريادي الأول للفيزياء المتصلة بالذرة وجزيئاتها. ويقع مقرها العام في جنيف. وتضمّ المنظمة في عضويتها راهناً النمسا، بلجيكا، بلغاريا، جمهورية تشيكيا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هنغاريا، إيطاليا، المجر، النروج، بولندا، البرتغال وسلوفاكيا. وتتمتع دول إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة، اسرائيل، الهند، اليابان، روسيا الاتحادية، الولاياتالمتحدة وتركيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة «يونيسكو».بصفة المراقب.