شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان على ضرورة «الشروع في بناء مؤسسات الدولة وفق رؤية جديدة قائمة على الحداثة والانفتاح وصون حقوق المواطنين»، مؤكداً أن «الإصلاح الشامل يجب أن يستند على نهج الشجاعة في قول الحق والمساءلة والمحاسبة، وعلى نهج الحوار والحكمة والاعتدال». ورأى «حاجة الى تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتطوير قانون الانتخابات النيابية لإنتاج التمثيل الأفضل، وإعادة الحقوق للمغتربين بما فيها حق الجنسية والانتخاب»، معلناً أن «هيئة الحوار الوطني ستلتئم قريباً ولن تكون سلطة بديلة». كلام الرئيس سليمان جاء في خلال رسالة وجهها الى اللبنانيين عشية الذكرى السادسة والستين للاستقلال، جاء فيها: «استقلال لبنان مسيرة نضال طويل ساهم فيها اللبنانيون على درب الحرية. ولأن الثقة والإرادة بين اللبنانيين هما أساس عيشهم المشترك في وطن قائم على الحرية، ولأن جذوره الحضارية ضاربة في عمق هذا الشرق، تعززت أواصر العلاقات بين العائلات اللبنانية على تنوّعها الديني والثقافي. استقلالنا الوطني ليس مجرد محطة من الماضي، إنما هو فعل إيمان بالحوار، وبالعيش المشترك والتطلع الى دولة القانون والمؤسسات التي نريد. إنها دولة الاستقلال، التي بدأت ترسخ مسيرتها بسواعد شبابها الذين حرروا أرض الوطن وقاوموا العدو الإسرائيلي وتصدوا للإرهاب وهزموه. خلال سنة ونصف السنة توطدت الثقة بين اللبنانيين على الرغم من مجمل التحديات الضاغطة. وها نحن نتابع مسيرة ترسيخ الأمن الوطني. وبموازاة ذلك، تمكن لبنان من استعادة موقعه ومكانته ودوره على الساحة الدولية، وتعزيز علاقاته مع الدول على أعلى المستويات، على قاعدة المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. تخطو العلاقات اللبنانية - السورية الى الأمام، بعد وضعها على مسارها الثابت والصحيح، وبعد إنجاز الخطوة التاريخية المتمثلة بإرساء العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين. ونريد للعلاقات المتنامية بين لبنان وسورية وسائر الدول العربية أن تتطور في المجالات كافة، ليس فقط على الصعيدين الرسمي والحكومي، بل كذلك على الصعيد الأهلي وبين مختلف القطاعات الإنتاجية وصولاً الى حالة من التعاون الاقتصادي والاجتماعي الأمثل. وكترجمة للثقة التي تمكن لبنان من بلورتها وإرسائها على الصعيد الدولي، فقد تمّ انتخابه، بما يشبه الإجماع، للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن الدولي. ومن أرفع هيئة أممية، سيتمكن لبنان من العمل، بصورة أفضل، على حماية مصالحه الوطنية والدفاع عن قضايا العرب المحقة والمشاركة في البحث عن حلول سلمية وعادلة للمشاكل والنزاعات المطروحة على الساحة الدولية. وفي طليعة هذه القضايا قضية فلسطين والقدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومواجهة العدوانية العنصرية التي دانها تقرير «غولدستون» في الأممالمتحدة. ومن أجل منع أي شكل من أشكال التوطين ينبغي وضع خطة عملية تضمن ذلك، بالإضافة الى تنقية العلاقات اللبنانية الفلسطينية من الشوائب التي اعترت صفاءها، وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار اللبناني المتعلقة بمعالجة السلاح الفلسطيني الى جانب المسائل الحياتية. ومع انتظام علاقاته الدولية واستعادة دوره إقليمياً ودولياً، أخذ لبنان يستعيد مركزه المالي على الرغم من وطأة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ووفد المغتربون بشكل غير مسبوق الى وطنهم، لا مجرد سيّاح وحسب، وإنما مودعين ومستثمرين ومساهمين في نهضة مجتمعهم الوطني. هؤلاء الرواد الذين تتناهى الى مسامعنا إبداعاتهم اليومية في مختلف الميادين، يحدوهم الأمل ببناء الدولة الحديثة انطلاقاً من الثقة المتجددة بين اللبنانيين في عيشهم المشترك، وفي توطيد السلم الأهلي وقد قطعنا خطوات ثابتة وأكيدة في هذا المجال بفضل تضحيات القوى الأمنية، التي نسعى الى تنمية قدراتها وعلى رأسها الجيش الذي يسهر أيضاً مع القوات الدولية الموقتة في الجنوب على صون السيادة الوطنية. وعُقدت في ربوعنا عشرات المهرجانات والمؤتمرات العربية والدولية ذات الطابع العلمي والاقتصادي والثقافي والرياضي، مثرية مساحة الفكر والبحث والإبداع. دولة المؤسسات هي التي تحمي الاستقلال وتدافع عن الحريات العامة والخاصة، وتزيد من تعلق اللبنانيين بمجتمعهم الوطني. ولا بد في هذا المجال من الشروع في بناء مؤسسات الدولة وفق رؤية جديدة قائمة على الحداثة والانفتاح وصون حقوق المواطنين. لقد سبق أن أشرت في كلمتي إليكم العام الماضي، الى أن فلسفة الكيان اللبناني قائمة على التوافق، وأن الاعتدال في لبنان شكل من أشكال البطولة، بعدما عانى، طيلة عقود، من آفات التطرف والاقتتال والتدمير والتهجير. إن الإصلاح الشامل يجب أن يستند على نهج الشجاعة في قول الحق والمساءلة والمحاسبة، وعلى نهج الحوار والحكمة والاعتدال انطلاقاً من روح الميثاق الوطني في مقاربة قضايانا الداخلية الشائكة، على قاعدة المصلحة الوطنية العليا والخير العام. ونحن ما زلنا نعمل في ضوء التوجه الذي رسمناه في خطاب القسم. ونرى المدخل الصحيح لبناء دولة القانون والمؤسسات في بناء دولة الإنسان اللبناني، بعدما ساهم أجدادنا في صوغ حياتنا وقيمنا المشتركة، ووطدوا العمران في ربوعنا، وتمسكوا بقيم الدفاع عن الأرض والتكافل الاجتماعي بين اللبنانيين، والانفتاح على العالم وحماية التنوع الثقافي لنؤكد أن لبنان أكثر من وطن، لبنان رسالة. إننا نتطلع الى مشروع استقلال السلطة القضائية تكريساً للعدالة وتوفيراً للانتظام العام. ونعلّق آمالاً إصلاحية على تطبيق مشروع اللامركزية الإدارية الموسعة، وتعزيز دور البلديات في هذا المجال وفي تحقيق الإنماء المتوازن للمناطق. كما نعتبر حماية البيئة الطبيعية وتطوير الصناعة السياحية، والقطاعات الإنتاجية من أولويات أي مشروع إصلاحي. وهذا يتطلب قبل زيادة الإيرادات تشكيل هيئة مكافحة الفساد، ومنع الهدر وترشيد الإنفاق بهدف معالجة الدين العام. إن أي إصلاح أو تطوير يجب أن يخدم هدفنا في بناء الدولة وبغية الحفاظ على المشاركة الكاملة بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك، نعم أيها اللبنانيون، بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك الذي يسبغ الفرادة على نظامنا، تبرز الحاجة الى تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتطوير قانون الانتخابات النيابية لإنتاج التمثيل الأفضل، وإعادة الحقوق للمغتربين بما فيها حق الجنسية والانتخاب. ونحن إذا كنا قد أكدنا على ذلك وعلى تحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات، تمكيناً للمؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية دورها الوطني فإننا نؤكد أن الشرط الضروري لإنجاز هذه الأهداف هو التوافق طبقاً لنص وروح الدستور بعيداً عن المحاصصة، وتوزيع المسؤوليات وليس تنازع الصلاحيات. ولا يستقيم هذا التوجه من دون معالجة الثغرات التي ظهرت في عمل السلطات الدستورية بعد مضي عقدين على اعتماد اتفاق الطائف ميثاقاً وطنياً، هو بمثابة العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، والذي لا بد لنا من المضي في السعي لتطبيق كامل بنوده. وبعدما نجحنا في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، نتطلع الى دور مأمول لها في تحقيق ورشة الإصلاح، وحل المشكلات المتراكمة للمواطنين. كما يمكن لهيئة الحوار الوطني، التي ستلتئم قريباً، إيجاد المناخات المناسبة للمضي قدماً في هذا التوجه الإصلاحي. هيئة الحوار هذه، لن تكون سلطة جديدة منافسة أو موازية للسلطة التنفيذية، وهي لا تنوب عنها بالتأكيد، ولا تتعارض مع عملها ومبادراتها. بل يمكنها أن تعمل كإطار وطني جامع، لتعزيز المناقشة الهادئة والحوار، ومواكبة السلطات الشرعية بإيجاد المناخ الملائم لتمكينها من الاضطلاع بدورها والمسؤوليات الموكولة إليها بموجب الدستور. يحتاج أي مشروع إصلاحي لإرادة وطنية جامعة نابعة من قيم الاستقلال. ولقد نجحت هذه الإرادة في التصدي للعدوان الإسرائيلي وتحرير معظم الأرض ومواجهة ظاهرة الإرهاب، وأظهرت جدارة لبنان على امتلاك عناصر القوة والقدرة، وتثبيت نفسه بين الأمم، كوطن منيع السياج محتفظاً بحقه في المقاومة لاسترجاع ما تبقى من أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر بكافة الوسائل المشروعة والقدرات المتاحة. لذا، فنحن مدعوون اليوم، انطلاقاً من هذا النجاح، لإعادة بناء الثقة بأنفسنا وبطاقات شبابنا وبمستقبلنا، وبقدرتنا على التأقلم والتطور واجتراح الحلول من ضمن الثوابت الوطنية...أدعو الإرادات الخيّرة الى التلاقي من أجل عزّة الوطن وبناء الدولة العصرية بكل ما فيها من قيم وقدرات خلاقة ودينامية يختزنها مجتمعنا الأهلي. هو عهدٌ وشرف والتزام، يفرضه الواجب وحبّ الوطن على كلّ واحد منا». وكان سليمان تلقى أمس برقيات تهنئة لمناسبة عيد الاستقلال، منك ل من البابا بنديكتوس السادس عشر والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والعديد من رؤساء الدول ومسؤوليها.