كلمة جورج زاخم في الاحتفال: السيد الرئيس موت والسيدة موت... أود أن أعبر لكما عن شكري الجزيل على كرم ضيافتكما لنا في منزلكما. فقد كان ذلك شرفاً كبيراً لي ولزوجتي ليزا وابني سليم. وأنا ممتن جداً أيضاً لما لقينا من ترحيب حار منكم ومن أعضاء الأسرة التعليمية الذين كان لنا حظ مقابلتهم أثناء زيارتنا للحرم الجامعي. العميد تاونزند، البروفسور بشروئي، البروفسور شاكل، سعادة سفير لبنان، أصدقاءنا الأعزاء...: عندما كنت شاباً أعمل مهندساً في باكستان قبل نصف قرن من الزمان، قابلت بيل باوتويل، وهو مهندس استشاري أميركي بارز، كان يناهز السبعين من العمر، أثناء زيارة له لمشروعنا الهندسي الإنمائي في منطقة تقع بين لاهور وراولبندي. وعندما قُدّمت له كمواطن لبناني، نظر إلي متأملاً وعيناه تنظران في عيني وخاطبني بصوت عال واثق على مسمع ومرأى من الحاضرين قائلاً: «أيها الشاب، أنت من بلد جبران خليل جبران وشارل مالك. يجب أن تكون فخوراً بذلك يا بني». انتابني شعور غامر من الزهو والاعتزاز لانفرادي بالملاحظة لا لأنني كنت من أنا، وإنما لمن أين أتيت وللبلد الذي انتميت اليه. وبدا لي كأن لبنان الصغير بمساحته، خيم كبيراً بعظمته في الولاياتالمتحدة بشهرة جبران ومالك. وخالجتني مشاعر وأفكار فضّلت الاحتفاظ بها في سرّي. واستحضرت من ذكريات الماضي أن الأميركيين قَدِموا الى لبنان في أواسط القرن التاسع عشر يبنون المدارس ويشيدون جامعة عظيمة. وهم ساعدوا في دفع عجلة التعليم في لبنان، ونحن ساهمنا بدورنا في بناء أميركا التي نعرفها كلنا اليوم. ففي الأدب والديبلوماسية والسياسة والطب، وفي الهندسة، وفي أوساط الترفيه والتسلية وعالم الأزياء ووسائل الإعلام، وفي مؤسسات الأعمال التجارية، صغيرها وكبيرها، لنا نحن اللبنانيين وجود في كل مكان من هذه البلاد الواسعة الكريمة المعطاء حيث نقدم اسهامات لا يستهان بها لإثراء الحياة الأميركية وجعل أميركا الأمة والدولة العظيمة التي هي الآن. عندما كان جون كينيدي ينقب باحثاً عن عبارة تحرك المشاعر وتحفزها لتغني خطاب حفلة تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة وقع اختياره على كلمات من جبران خليل جبران تقول: «لا تسأل كيف أنتفع من أمتي بل سل كيف أنفع أمتي». وما لبثت تلك الكلمات أن ترددت أصداؤها في أنحاء العالم. وعندما كان الرئيس خروتشوف يؤنّب أميركا ويحط من قدرها وهو يدق الطاولة بحذائه في الجمعية العامة للأمم المتحدة مهدداً: «إن أحفادكم سيعيشون في ظل الشيوعية» من الذي تجرأ في ذلك المجمع المهيب على تحدّي زعيم الاتحاد السوفياتي؟ كان ذاك مندوباً وحيداً هو الدكتور شارل مالك سفير لبنان آنذاك الى واشنطن والأمم المتحدة. نهض مالك واقفاً كالطود الشامخ في تحديه رافعاً صوته المجلجل قائلاً: «سيد خروتشوف، عندي خبر لك. إن أحفادك سيعيشون في ظل الحرية». كان الصمت والرهبة مخيمين على الجمعية العامة حتى تلك اللحظة ثم علا التصفيق الحاد. وسرعان ما بدأ القادة الأميركيون يستشهدون بمالك، المدافع الجريء غير الهيّاب عن الحرية، في زمن كانت فيه الحرية عُرضة للخطر في مختلف بقاع العالم. وعندما اشتد المرض على السيد يلتسين رئيس روسيا الجديد، طلب العون الطبي، كغيره من كثيرين من قادة العالم، من الطبيب الكبير المتحدر من أصل لبناني الدكتور مايكل دبغي. ولما كان الشبان الأميركيون، وبينهم باراك أوباما، يتطلعون باحثين عن مناضل يدعم ثورتهم على الممارسات الفاسدة في الصناعة والتجارة، لمن توجهوا؟ توجهوا الى شاب لبناني، خريج من جامعتكم. هو رالف نادر. هناك علاقة رمزية رائعة بين لبنان والولاياتالمتحدة. فعندما نحتاجكم تأتون لنجدتنا، وعندما تحتاجوننا لا نتأخر عن مد يد العون. ولم آت لأتغنى بأمجاد الشخصيات اللبنانية اللامعة في الولاياتالمتحدة، والتي يوجد بيننا عدد قليل منها في هذا اللقاء الكريم، انما كي أشكرك أيها السيد الرئيس على تكريمك لبنان واللبنانيين لاتخاذك قصَب السبق في انشاء كرسي أكاديمي تكريماً لجبران خليل جبران. في الولاياتالمتحدة، يوجد حجر هنا، ولوحة هناك تكريماً لجبران. أما كرسي يتعاطى مع فكره، وأدبه وشعره، فلم يكن ولم يوجد في ما قبل. لقد وضعت أساساً جديداً يا سيدي الرئيس، وقد برهنت على رؤيا، وأبديت شجاعة، لك شكرنا مرة أخرى على ذلك. وأهنئكم على هذا القرار التاريخي، ونحن هنا نعرب عن تأييدنا التام لكم. لقد جاء جبران الى أميركا شاباً يافعاً لا يملك إلا القليل من معرفة اللغة الانكليزية. ولم يمض وقت طويل حتى كتب رائعته «النبي» بهذه اللغة. وفي فترة قصيرة جداً انتشر «النبي» بين شباب أميركا انتشاراً واسعاً، ولم يسبقه ويبزّه في مبيعاته وتوزيعه سوى كتاب واحد هو الكتاب المقدّس الذي يحتل المرتبة الأولى. جبران أحب لبنان. فحمله في قلبه. أحب أميركا بالمثل. ففي هذه الأرض حقق كامل نبوغه وعبقريته ورؤياه. هنا رسم وهنا نظم الشعر، وكتب المقالات. وفلسفته عبّرت عن شكل جمالي صاف رائق للمسيحية، قائم على المحبة والعدل والعطف والأخوة وإيمانٍ عميق بكل ما هو جميل وصادق. نحن نبعث اليكم شبابنا وشاباتنا، هنا يشبون ويكبرون. ينضجون، ثم يبدعون. والفضل في ذلك للفرص اللانهائية التي لا حد لها يتيحها هذا البلد. وهم عندما يشتهرون هنا، تمتد شهرتهم الى لبنان أيضاً، ويشيد بهم لبنان ويرحب بهم كأبطال عائدين الى الوطن بعد انتصارات باهرة في الخارج. السيد الرئيس، إن لبنان يفخر بك لتكريمك جبران، وسترحب الجامعات في لبنان بمبادرتك وتسعى جاهدة معك في تقدير هذا الأديب العبقري كي نضعه في المكانة التي يستحقها عن جدارة في صحبة العلماء والمعلمين والشعراء والفنانين العظام في جامعة أميركية رائدة. إنها فعلاً ميزة لي ولأسرتي أن نموّل كرسي جبران. وهي ميزة مساوية أيضاً ان يستقبلنا رئيس الجامعة في منزله في هذه المناسبة التاريخية. وشكر زاخم ذكرى الراحلة ليلى طنوس دوتون وسهيل بشروئي لجهودهما في انشاء كرسي جبران، وأنهى قائلاً: اسمحو لي أن أختتم بتحيتكم جميعاً على مشاركتي هذا الشرف وإيلاء جبران - هذا الشاب العاطفي الرومانسي من لبنان - الاعتراف الذي استحقه عن جدارة.