أجمع محللون جزائريون على أن حالة الاحتقان الواقعة حاليا بين الجزائر ومصر بسبب الاعتداء الذي تعرضت له البعثة الجزائرية الرياضية في القاهرة قبيل إجراء المباراة الفاصلة بين منتخبي البلدين للتأهل لكأس العالم 2010، أظهرت أزمة عميقة يعيشها النظام السياسي العربي الذي يسعى إلى تصدير أزماته الداخلية عبر استخدام الرياضة. واعتبر الدكتور مصطفى سايج أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاتصال والعلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر في حديث مع يونايتد برس أنترناشونال اليوم الثلاثاء أن الأزمة الحالية بين البلدين "لا تعدو أن تكون غطاء لمجموعة الإحباطات الداخلية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجماهير،والدول الفاشلة هي التي تدعم هذا التوتر بين الجماهير الرياضية أو حتى داخل الدولة الواحدة لجعله المتنفس الوحيد لتفريغ تلك الإحباطات". واضاف "إن الدول القوية تعمل على الاستفادة من التبادل الرياضي وإقامة المنافسات الرياضية باعتبارها أداة دبلوماسية لإنجاز الأهداف الإستراتيجية الأولى المتمثلة في تعظيم المصالح والمنافع المتبادلة في التجارة والاستثمارات لتحقيق رفاهية المواطنين". و اوضح أن هذا التوجه جسدته الدبلوماسية التركية في سعيها لانهاء النزاعات مع أرمينا وجيرانها وجعل التوترات السياسية والتاريخية في درجة الصفر واستبدالها بعلاقات تعاون تخدم الأمن القومي لتركيا وبناء موقع دولي لها في ظل تحول الثقل الحضاري من الحلف الأطلسي إلى الحضارة الشرقية حيث الهند والصين واليابان وتركيا. واعتبر سايج أن العداء التاريخي بين أنقرة وأرمينيا تم تذويبه في مدرجات ملعب كرة القدم بأرمينيا في أول لقاء بين الرئيسين التركي عبد الله غل و الأرميني سيرج ساركيسيان في إطار تصفيات الفريقين لكأس العالم، وهو عكس ما حدث بين الجزائر ومصر. وقال "إن ما نريده من العلاقات الجزائرية المصرية، هو أن تتبنى دبلوماسية لكرة القدم تكون في خدمة قطبين في الوطن العربي والقارة الإفريقية والمحيط المتوسطي وفي الدائرة الكبرى للعالم الإسلامي". وأشار الى ان كرة القدم في النهاية "هي لعبة رياضية تنافسية إذا تجاوزت حدودها الرياضية فإن الخلل يقع على مسؤولية السياسيين الذين يفتقدون لبوصلة تحدد لهم اتجاه العمق الإستراتيجي للدولة والإدراك بأهمية تحولات العالم". واستند المحلل السياسي، إلى ما قاله علماء النفس حول أن النزاع بسبب هذه الرياضة ووصولها لحالة مرضية هو في النهاية "لا يعدو أن يكون غطاء لمجموعة الإحباطات الداخلية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجماهير، والدول الفاشلة هي التي تدعم هذا التوتر بين الجماهير الرياضية". و أشار الى ما اسماه محاولات "لاشعال الفتنة و خلق عداءات وأحقاد بين الشعبين المصري والجزائري باستخدام كل التلاعبات الإعلامية والدعائية، من صور إعلامية منقولة من مواقع ومنتديات اليوتوب تدل على قلة الاحترافية لقنوات فضائية تبحث عن الربح التجاري". و قال ان" التركيز على صور إحراق العلم المصري من قبل شباب في موقع مجهول لليوتيوب كثيرها مفبرك ولا تعرف مصادرها ". ودعا الى "دبلوماسية لكرة القدم بين الجزائر ومصر ولقاء الرئيسين الجزائري والمصري لتفعيل الدبلوماسية العربية في القضايا النزاعية داخل الدول العربية من دارفور إلى العراق ". و اعتبر سايج أن "النظام السياسي المصري كان السبّاق في توظيف كرة القدم من خلال ما حصل للبعثة الجزائريةبالقاهرة وذلك لتوجيه الرأي العام الذي يعيش إحباطات سياسية واجتماعية كبيرين مع تراجع الدور المصري الإقليمي أمام صعود تركيا وإيران". وقال إن النخب السياسية الحاكمة تهرب من عجزها عن تحقيق الأهداف السياسية الاقتصادية ،بتوجيه الرأي العام إلى عدو افتراضي" وفي هذه الحالة تستعمل الرياضة كملاذ بالنسبة للدول الفاشلة حتى يكون متنفسا لتفريغ تلك الشحنات تجنبا لوقوع اضطرابات داخلية". من جهته، قال الدكتور إسماعيل معراف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، ليونايتد برس أنترناشونال أن قضية الاعتداء على البعثة الجزائريةبالقاهرة "أصبحت بالدرجة الأولى قضية شرف بالنسبة لكل الجزائريين". واعتبر "إنه عندما تمس بعثة رياضية دبلوماسية بتلك الطريقة فإن هناك تواطؤا رسميا في تلك الواقعة" لكنه استبعد أن "تدفع الجزائر إلى التوتر مع مصر أكثر لاعتبارات المصالح العليا بين البلدين". وأشار إلى أن الشحن الإعلامي الذي قادته الفضائيات المصرية يعود لارتباطها أكثر بالمال اليهودي من منطقة "الكويز" وليس لارتباطها بالاستثمارات المصرية في الجزائر التي فاقت 5 مليارات دولار أميركي، معتبرا بأنها لو أنها كانت مرتبطة بالمال العربي لكانت الصورة مخالفة. وقال معراف "إنه بعيدا عن تراكم الغضب عند الجزائريين لاعتبارات اجتماعية واقتصادية داخلية فإن الشعب تفاعل مع الظلم الذي تعرّضت له البعثة الجزائرية". وأضاف أن الجزائر رفضت أن تكون "مطية" لتنفيذ سيناريو توريث الحكم لجمال مبارك عبر "تهييج الجماهير المصرية لصالح أجندة النظام المصري الداخلية"، معتبرا ان ما يجري يهدف الى تغطية "إخفاقات مصر ومحاولة إعطاء صورة لصانع قرار مستقبلي وهو جمال مبارك". وبالنسبة لمعراف فأن مصر حاليا منقسمة لفريقين، "فريق يريد التطبيع وبيع كل القضايا العربية والإسلامية وفريق ظل ثابتا لقضاياه العربية"، و الخلاف بين الجزائر ومصر حول هذه الخيارات "جسدها ما وقع قبل وبعد مباراة السبت الماضي".