الزحف في العربية معلومة المعنى، وفي المحكية هي تحتمل إحدى معنيين، المعنى القريب وهو زحف الإنسان أو الطفل العاجز للوصول إلى نقطة معينة، ومعنى عند الزملاء الأعزاء «العرابجة» يقصد به شدة الجنون و«الصرقعة» فيوصف أحدهم أنه «زاحف» إذا كان يقوم بما يعتقدون أنه من الخوارق أو المغامرات غير محسوبة العواقب. والحق أن هناك مدير مدرسة احترت في تصنيفه، وهو مدير مدرسة ثانوية في عاصمة الإنسانية يدرس بها «مواطن» سعودي اسمه سعد، ابتلاه الله بإعاقة جسدية لم تشفع له عند مدير المدرسة لتحقيق مطلبه بأن يكون فصله في الطابق الأول من مبنى المدرسة تقديراً لإعاقته، فبات ينزل من فصله في الطابق الثاني «زحفا» على الدرج كما جاء في الصورة والخبر المنشورتين أمس في جريدة محلية، وهو يصعد محمولاً من زملائه. حسناً، هل هذا المدير «زاحف» بالمعنى العربجي أعلاه؟ ربما، لكن زحفه لا يعادل موضوعياً ووطنياً وإنسانياً زحف ابن من أبناء هذه البلد يومياً، ساحباً معه عزيمته وإرادته، ومصراً على التعلم والاندماج في المجتمع الذي لم يرحم أحد أفراده إعاقته، أو يفهم معنى أن تكون مدير مدرسة، أو يتفهم أن هناك ما يسمى كرامة إنسانية يجب أن لا يمسح بها «البلاط»، بل يجب أن تكون مهمته هي إذكاء هذه الكرامة والتأكيد عليها، وبث روحها بين أبنائنا الطلاب. قبل عدة سنوات ابتكرت جمعية المعاقين برنامجاً اسمه «جرّب الكرسي»، فكرته أن يقوم الأصحاء بالجلوس على كرسي الإعاقة ومحاولة التحرك، والالتفاف، وتجاوز عقبات الطريق، ونجح هذا البرنامج في إيصال إحساس المعاق إلى الناس وزاد تفاعل الكثيرين مع أنشطة الجمعية وبرامجها. ومع كامل احترامي لشخص المدير الذي لا أعرفه، وللمعلمين في هذه المدرسة الذين صمتوا على هذه المهانة، وتقديري لوظائفهم النبيلة، لكنني أتساءل ماذا لو طلبنا منهم تجربة الزحف على الدرج للنزول من فصولهم؟ هل يمكن حينها أن يعرفوا حجم ما اقترفوه من خطأ، لا ينسحب فقط على نفسية الطالب سعد وكرامته، بل يتجاوزه إلى مئات الطلاب في المدرسة الذين سيتبلدون من هذا المنظر اليومي، وسيعتبرون ما تقوم به المدرسة وهي تمثل الوزارة والحكومة والنسق الاجتماعي العام هو القدوة. بلباسه الرياضي الذي بدا في الصورة ينظف سعد بلاط الدرج يومياً، لأنه يزحف عليه «ياعيني عينك يا سعد»، والسؤال: ما الذي يحتاج فعلاً إلى تنظيف؟ عقل المدير؟ النظام التعليمي؟ نظام إنشاء المدارس؟ قلوبنا؟ [email protected]