«صاخب مثل السكون... ساكن مثل الصخب.... إن حكى تصبح الفضة مزون.. وان سكت تصبح الكلمة ذهب». ذلكم هو خالد بن سلطان، القائد العسكري الذي تتحول كلماته في الأزمات إلى «مانشيتات عريضة» لعناوين الصحف ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية. إذا تكلم عن سير المعارك أوجزها ب «مصطلحات عسكرية منتقاة»، ليصبح أي كلام بعد ذلك مجرد «إشاعات». السعوديون عرفوا هذا القائد العسكري منذ حرب تحرير الكويت، ورجال الفكر والمهتمون بالأعمال الموسوعية، عرفوه بعد ما أصدر «موسوعة مقاتل من الصحراء»، لكن رفاق السلاح عرفوه منذ أن كان ضابطاً صغيراً في صحراء تبوك، وأدركوا جازمين بأن هذا الضابط الأمير الآتي إليهم من كلية «سانت هيرست»، سيضيف إلى القوات المسلحة مزيداً من اللبنات، خصوصاً وأنه تمكن من كسب ثقة قادته العسكريين في زمن قياسي، وهذا ليس لأنه نجل وزير الدفاع والطيران، بل لأنه كان حريصاً على تطبيق النظام والعقائد العسكرية على نفسه أولاً. أغلب العسكريين الذين عملوا مع خالد بن سلطان، يتذكرون أنّه لا يجامل ذاته أمام صرامة النظام العسكري. كان منضبطاً، وكانوا يتذكرون أنه يملك روح الإيثار. بالأمس تذكرت ذلك. بالأمس عرف العالم قيمة ومعنى الإيثار، وهو يقول رداً على سؤال حول الضابط السعودي المفقود: «أمنيتي أن أضحي بنفسي من أجله». أي إيثار بعد ذلك يمكن أن يكتب عنه؟ أي قيم إنسانية هذه التي يحملها خالد بن سلطان؟ أي قائد عسكري هو؟ هذا ليس كل شيء. لدى خالد بن سلطان الذي تتحول كلماته في الأزمات إلى ملخصات لقادة الدول ورؤساء الحكومات، الكثير من القيم البسيطة ذات المدلولات الكبيرة. ألم تروه بالأمس في جازان وهو يمازح الجنود على خط النار؟ ألم تشاهدوه وهو يشدّ على سواعد القادة الميدانيين في ساحة المعركة؟ ألم نشاهده ونسمعه جميعاً، وهو يوصي وسائل الإعلام: «أنا أحب أن أطلب بكل وضوح وأدب من كل الصحافة ألا يكبّروا الوضع ولا يأخذوا الشائعات». كان بإمكان خالد بن سلطان وهو يقود معركة شرسة ضد المتسللين المسلحين، أن يمنع وجود الصحافيين بحجة المحافظة على أرواحهم، لكنه خالد بن سلطان الذي يدرك أن الصحافي لا يقل عن الجندي، وأن الصحافة رسالة الشرفاء الأمناء، إن قُدّر لها رجال يوصلون المعلومة، ويعيدون الخبر إلى جذوره. * من أسرة «الحياة».