علّق أستاذ الأنظمة في جامعة الملك عبدالعزيز الخبير في مجمع الفقه الدولي الدكتور حسن سفر على مجلس القضاء السعودي في تشكيلته الجديدة آمالاً كبيرة في تحقيق طموحات المتقاضين والمترافعين داعياً إلى تمكين القضاة من آليات تساعدهم في إمضاء الحكم، والوصول إلى القول الفصل في مدد لا تطول أكثر مما يجب. كما اقترح سفر تقديم قضايا الضعفاء مثل الأرامل والمطلقات الباحثات عن النفقة ونحوها على ما سواها من القضايا، حتى لا تنقطع بهن السبل ويماطلهن الأزواج. واعتبر أن المجلس برئاسة الشيخ صالح بن حميد «بدأ منذ ان تم تشكيله في صورته الحضارية المنفتحة والجديدة يشهد نقلة نوعية وصورة تجديدية ويفتح ورش عمل وندوات متعددة المشارب لاستكمال منظومته الكبيرة التي يلقى المواطن عليها الآمال الجسيمة للرقى بهذا المرفق الحيوي والمهم والفعال في حياة الناس، ويزيل عنهم العنت والمشقة ورفع الحرج في جوانب عدة من حياتهم وعلاقاتهم القضائية مع المحاكم والدوائر القضائية». وأكد أنه من خلال متابعته للشأن القضائي في البلاد يوجز مجمل ما يتطلع إليه المهتمون، ويسرد ما يرى في نقاط أهمها: أولاً: انه اذا كان قضاة الوطن كما يقول المفكر القانوني مونتسكيو ليسوا سوى الفهم الذي ينطق بكلمات التشريع. اذاً المقتضى الشرعي والقانوني يستلزم فتح ورش من العمل لوضع تقنين للاحكام القضائية في كل المجالات الحياتية من فقه الاسرة والاحوال الشخصية والمعاملات والعقوبات والتعازير. ويكون التقنين مصباحاً وضاء يسير على نهجه القضاة في المحاكم العامة والجزائية ومحاكم الاستئناف. ثانياً: الترتيب في نظر القضايا المهمة وعدم السماح باستغراق النظر فيها مدداً طويلة وسنين عدة مع تحديد نظر القاضي يومياً في عدد محدد من القضايا وتدعيمه بالآليات المساعدة من المستشارين والاختصاصين ووجوب تثقيف وتدريب موظفي المحاكم بالانظمة القضائية كنظام المرافعات الشرعية والاجراءات الجزائية وغيرها مما صدر ويصدر ويتعلق الامر باقامة دورات شهرية في المناطق نفسها وتحت اشراف قضاة محاكم الاستئناف والمتخصصين من الشرعيين والحقوقيين الحاذقين لفهم هذه الانظمة وكيفية تطبيق نصوصها وعدم التهيب من الفهم والاستفسار والتفعيل. ثالثاً: محاولة النظر في تقديم دعاوى النساء كالمرأة الارملة والمطلقة والمطالبة بالنفقة على الابناء والبنات خصوصاً اللاتي يدخلن اروقة القضاء في محاكم الضمان والانكحة (محاكم الاحوال الشخصية) اذ يجب سرعة البت في اقضيتهن ومنع مماطلة الازواج للكيد بهن ووجوب متابعة ذلك من تخصيص قاضي التنفيذ لما يحكم به قاضي النظر (كشرطي لحقوق التنفيذ). رابعاً: وجوب تكثيف ثقافة موعظة الخصوم وردهم الى الصلح وتذكيرهم أن من خاصم في باطل فسيتعرض لا محالة الى سخط الله، ويشغل المحاكم في أمور لا طائل منها. وقد دونت ادبيات الاحكام القضائية أن السنن ترد الى الصلح بين الخصوم فقد نقل عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (ردوا علي الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يورث الضغائن بين القوم) وقد نقل عن الائمة الفقهاء كابن قدامة والطرابلسي وابن فرحون ان الدعوة الى الصلح لها صفة الاطلاق في جميع الحالات، وذلك تجنباً للوقوع في الضغائن بين القوم كما أن حصول الصلح وطرد غوائل الضغائن، جائز في أية مرحلة من مراحل التقاضي. وهذا يرجع فيه إلى نفس الشرع، وفهم الناظر في القضية من قضاة الشرع المحمدي. خامساً: إحياء وظيفة التفتيش القضائي والعمل بها، وهذا الذي بدأت تباشير تفعيله من المجلس الأعلى للقضاء، وفي هذا يقول الفقيه المالكي الإمام ابن فرحون: «ينبغي للإمام أن يتفقد أحوال القضاة، فإنهم قوام أمره ورأس سلطانه، وكذلك قاضي الجماعة رئيس القضاة ينبغي أن يتفقد قضاته ونوابه فيتصفح أقضيتهم ويراعي أمورهم وسيرتهم في الناس، فما وافق الحق أمضاه وما خالفه فسخه». سادساً: تنظيم آليات الطعن في الأحكام، فانه لما كان الأصل أن حكم القاضي قاطع للنزاع وله من القوة ما تلزم الخصومة لتنفيذه، فلا يصح التعرض له بالنقض والإبطال بقوة الحكم القائم على وسائل الإثبات، ولكن كما قرر الفقه القضائي جواز عرض المحكوم عليه القضية على القاضي مرة ثانية إذا صدر الحكم عليه في غيبته، فالواجب تنظيم الطرق وتفعيل وضع تسبيب الأحكام، والتقيد بمواعيد الطعن وتمديدها إلى خمسة وأربعين يوماً مما تتسع له روح السياسة الشرعية القضائية التي تبنى أحكامها على المصلحة ومراعاة الأحوال والظروف، حيث البحث عن المحامي وإعطائه الفرصة لدرس صك الحكم، ومن ثم تقديم اللائحة الاعتراضية في وقت كاف، لتكون مستندة بقوة الحجة وعلى الاستدراكات والملاحظات على الحكم القضائي الصادر عن ناظر القضية بعد التأمل والدرس. سابعاً: إن قبول التماس إعادة النظر هو مبدأ من المبادئ التي أجازتها الأنظمة القضائية في الشريعة الإسلامية وفي القوانين الوضعية، ففقهاء الشريعة والقانون يشيرون في مدوناتهم وقوانينهم الفقهية والقضائية إلى ما يدل على وقوع حوادث وسوابق في الطعون التي يصدرها القضاة، الأمر الذي يستلزم إعطاء المساحة في قبول الالتماس وإعادة النظر. قال الإمام سحنون: «وإذا قضى القاضي بقضية وكان الحكم مختلفاً فيه وله فيه رأي فحكم بغيره سهواً فله نقضه». وقال العلامة ابن فرحون في التبصرة: «إذا حكم القاضي بغير ما يراه سهواً، فله نقضه وليس لغيره ذلك، ولا ينبغي له المكابرة، فان الرجوع إلى الحق خير من التمادي في غيره». وعلى ضوء ذلك، فان النظام القضائي الإسلامي منح المساحة، وأعطى الفرصة في عدول القاضي عن حكمه، وقبول التماس النظر في القضية، حتى يصادف الحكم محله، ويحقق مقصود الشارع من العدالة التي قامت بها السموات والأرض. فحبذا لو أكد المجلس الأعلى للقضاء مثل هذه الأمور التي هي ليست خافية على نظر أصحاب الفضيلة القضاة، ولكن تفعيلها بصور متعددة وتقنينات مختلفة وحضارية تجعلها تخدم الحكم القضائي العادل الذي جاءت به الشرائع السماوية، وطبقه سيد القضاة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وخلص سفر في نهاية مقترحاته إلى القول بأن «الأنظمة القضائية في الشريعة الإسلامية تعتبر من أوفى واعرق وارسخ القوانين شكلاً ومضموناً وموضوعاً، وان البحث عن الكنوز الثمينة في فقه القضاء الإسلامي يحتاج إلى إعادة قراءة تنعكس على الثراء والتفعيل والتنفيذ في أروقة ودهاليز القضاء السعودي المتعدد المشارب، وان الناس يستبشرون خيراً بالنقل التطويرية والتحديثية لسلك القضاء والتقاضي الذي احدث قولبته ولي أمر المسلمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مطالبين بأن يتم تنويع الاختيارات في مدارس القضاء وكراسي القضاة وكتابة العدل، وشمول ذلك ولاية المظالم ودواوين القضاء والمحاكم العامة، وسرعة ظهور المحاكم المتخصصة التي أشار إليها نظام القضاء في صورته الجديدة، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.