في زيارته «التاريخية» الأولى الى اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، قال وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو «إن تركيا تريد بناء شرق أوسط جديد يضم الأتراك والعرب والكرد والفرس والشيعة والسنّة... ولأجل تغيير الواقع الراهن في المنطقة نحن بحاجة الى دعم الكرد، وهذه الزيارة تاريخية وقد حان الوقت لنخطو خطوات أكثر...». حقائق التاريخ والجغرافيا في هذه البقعة من الشرق الأوسط تبين بوضوح وجود الكتلة البشرية الكردية الرابعة التي يناهز عددها 40 مليوناً الى جانب الكتل الأخرى العربية والإيرانية والتركية وهي مجتمعة وفي مراحل وحقب متتالية ساهمت في بناء الحضارة ولعبت بتفاوت وتناوب أدواراً مؤثرة في مصير المنطقة ولكن الوقائع هذه كغيرها كثيرة تعرضت للطمس والإخفاء الى درجة أن غالبية صفحات تأريخ المنطقة المعتمدة في المناهج التعليمية والمتداولة بين الناس والتي دوّنها – المنتصرون – الطغاة والنخب الشوفينية أحوج ما تكون الى إعادة كتابتها من جديد لإظهار ما أخفي وإطلاق ما حظّر رسمياً بفعل الأيديولوجيا القومية العنصرية، بما في ذلك الحقيقة الكردية كعنصر أصيل متجذر في الأعماق التي غابت عن أذهان الأنظمة والحكومات التركية والايرانية والعراقية والسورية المتعاقبة. ليس من شك في أن اعتراف الديبلوماسي التركي المعلن بالمكون القومي الكردي في المنطقة الى جانب الآخرين والذي يعتبر خرقاً للمحظور واستثناء للمألوف كان استكمالاً منطقياً للاعتراف بالحقيقة الكردية في بلاده أولا،ً والتسليم بوجود «القضية الكردية في تركيا» ثانياً. لقد تابعنا الكثير من مشاريع للشرق الأوسط «الجديد» و «الكبير» في كنف «النظام العالمي الجديد» بالتماثل مع «عملية التغيير الديموقراطي المنشودة» في بلداننا، وخلت تلك المشاريع من الإشارة الى الكرد، في حين نجد بغاية الوضوح موقعاً تراتبياً لهم الى جانب الأتراك والعرب والفرس في رؤية الوزير التركي بل وحاجة الى دعمهم في ترتيب أوضاع المنطقة. ومن أجل البحث مع داود أوغلو عن الحقائق التاريخية وبينها الحقيقة الكردية الشرق أوسطية، لا بد من صراحة مماثلة حول جملة من المبادئ والتساؤلات والوظائف الكفيلة برسم الحدود الواضحة بين الاستراتيجية والتكتيك: أولاً: ان مقياس الجدية من عدمها يكمن أولاً وأخيراً في مدى نجاح الحكومة التركية في الإيفاء بالتزاماتها المعلنة تجاه أكثر من خمسة عشر مليون كردي يشكلون قومية ثانية اعترف بوجودهم للمرة الأولى الرئيس التركي العلماني الراحل، توركوت أوزال، من دون التمكن من الاعتراف لهم بأي حقوق قومية وديموقراطية أو التسليم بشراكتهم للترك في السلطة والقرار، وقيل إنه ذهب ضحية موقفه الوطني من جانب مراكز القرار – الخفية! - ومن الخطوات الأساسية أمام الحكومة الآن نشر برنامجها وخريطة طريقها لحل القضية الكردية أمام الرأي العام في البلاد. ثانياً: إن الإشارة الى المكون الكردي في الشرق الأوسط هي بمثابة اعتراف نظري بوجود ما هو قائم وهي لا تكفي اذا لم تقرن بتفسير موضوعي لمضمونها السياسي والثقافي والديموقراطي مثل حق ذلك المكون كغيره من المكونات المشار اليها في تقرير المصير ونوع النظام الشرق أوسطي الذي سيجمع بين المكونات الرئيسة الأربعة. ثالثاً: إن فكرة الشرق الأوسط الجديد بطبعتها «الداوود أوغلية» تستحق التوقف عندها بإمعان، خصوصاً أن هذا المثلث الجغرافي يخبئ كنزاً من المشاريع والمبادرات التاريخية تعبيراً عن أهميته الاستراتيجية طوال التاريخ، فمن مؤتمر طهران بين الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت بوادر الحرب الباردة وتقسيم مناطق النفوذ بين منتصري الحرب العالمية الثانية، ومن كردستان العراق جرى نعي حقبة الحرب الباردة عندما قرر الغرب إنشاء المنطقة الآمنة وفرض حظر الطيران العراقي على الإقليم. ومن الكويت أعلن الرئيس جورج بوش الأب قيام النظام العالمي الجديد، ومن المنطقة أطلق المسؤولون الأميركيون مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير. ولا ننس هنا كتاب الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز – حول الشرق الأوسط الجديد. والسؤال هنا بماذا يختلف المشروع الحالي عن المشاريع السابقة؟ سيتفادى أسباب الفشل ويتعظ من نواقصها أم أنه تكرار بمضمونه وأسسه وآلياته وعناوينه؟ إن المدخل الصحيح لهذا المشروع يبدأ بتفسير المضمون والبرنامج التفصيلي والمبادئ وتعريف المكون الكردي في المنطقة: من هم وماذا يريدون؟ هل هو شعب أم أقليات أم مواطنون وما هو دورهم القديم والراهن؟ ومن ثم إطلاق عملية حوار صريح ومفتوح عبر وسائل الإعلام في البلدان الأربعة والخارج بين نخب وممثلي المكونات الأربعة للتوصل الى نتائج وحقائق ستساعد في إعادة بناء شرق أوسط جديد تعيد الاعتبار الى القوة الكردية الرابعة الى جانب القوى الأخرى على طريق التعايش السلمي والمشاركة وتقرير المصير والاتحاد الاختياري بحسب صيغة توافقية مقبولة.