يبقى بناء علاقات متوازنة مع الجارين الكبيرين لموريتانيا، المغرب والجزائر، أهم امتحان يواجه أي نظام جديد يصل الى السلطة في نواكشوط منذ انسحابها من النزاع على الصحراء الغربية في 1979 وذلك لتجنب وقوع «هزات» في العلاقات الحساسة والصعبة تقليدياً مع البلدين قد تكون لها عواقب وخيمة على استقرار البلد الهش. وبعد عقود من الاضطراب والتردد بين الانحياز للمغرب او الارتماء في أحضان الجزائر خلال عهد ديبلوماسية المحاور، تحاول موريتانيا منذ عشر سنوات تقريباً أن تبقى على صلات قوية بالبلدين المغاربيين من دون ان تُصنف كحليف لأحدهما على حساب الآخر وذلك مع استمرار التجاذب والاحتقان في العلاقات الجزائرية - المغربية. ومع استمرار الحديث عن وجود مشكلات وألغام في العلاقات مع المغرب والجزائر، يتزايد الضغط النفسي على حكام موريتانيا الجدد بسبب صعوبة تسيير ملف العلاقات مع البلدين الذي يسبب «وجع رأس» دائم في نواكشوط ما يجعل مستقبل المسؤولين الموريتانيين في الحكم على كف عفريت. فخلال عقود دأبت صحف المنطقة على اتهام المغرب أو الجزائر بالوقوف وراء أي انقلاب جديد يحدث في موريتانيا التي يجري فيها التداول على السلطة عبر انقلابات عسكرية دورية. ففي الوقت الذي كشفت فيه مصادر موريتانية مطلعة ل «الحياة» عن تململ مغربي من خلل أمني على الحدود مع موريتانيا دفع المغرب الى تشديد إجراءات الرقابة على الحدود مع جارته الجنوبية، يجري الحديث على نطاق واسع في نواكشوط عن أزمة جديدة مع الجزائر على خلفية اقتراح نواكشوط تعيين موريتاني ينحدر من أصل مغربي سفيراً في الجزائر. وتوقف المراقبون عند زيارة قام بها الأسبوع الماضي إلى نواكشوط ياسين المنصوري مدير مكتب الدراسات والتوثيق ومستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس ورجل ثقته، وبث التلفزيون الموريتاني صوراً للرئيس ولد عبدالعزيز وهو يجتمع على انفراد مع الرجل الذي يعتقد أنه مهندس التقارب الكبير الحاصل في العلاقات الموريتانية - المغربية منذ تولي الملك محمد السادس الحكم. وقال التلفزيون الموريتاني إنه نقل رسالة من الملك محمد السادس الى الرئيس محمد ولد عبدالعزيز من دون أن يقدم تفاصيل أكثر، ويسود الاعتقاد ان المنصوري هو من يدير ملف العلاقات الحساسة والاستراتيجية مع موريتانيا بحكم الروابط التاريخية والدموية التي تجمع الموريتانيين مع سكان الصحراء الغربية. وأقام المغرب علاقات متينة مع أربعة أنظمة تعاقبت على حكم موريتانيا خلال العقد الحالي. ونفى ديبلوماسي مغربي اتصلت «الحياة» به وجود أي فتور في العلاقات مع نواكشوط وقال «نحن لا نبحث عن مشكلات ليس هناك شيء» هذا في وقت جرى فيه النظر الى تعزيز المغرب الإجراءات الأمنية على حدوده مع موريتانيا على أنه للحد من مخاطر ثغرات أمنية قد يخلقها ضعف أو «تساهل» إجرءات الرقابة على الطرف الآخر خصوصاً مع الناشطين الصحراويين الذين يعتقد ان بعضهم يستخدم جوازت سفر موريتانية مزورة. وعكست زيارة قام بها وفد أمني مغربي رفيع المستوى الى مركز غرغارات الحدودي الذي يبعد سبعة كيلومترات فقط عن الحدود الموريتانية نفاد صبر المغرب من استمرارالفوضى الأمنية على الحدود بين البلدين. وضم الوفد وزير الداخلية شكيب بن موسى والجنرالين حسني بن سليمان وحميدو العنكيري إضافة الى مسؤولين أمنيين آخرين، ويبدي المغرب خشيته من استغلال المركز الحدودي للقيام بعمليات إرهابية أو لتهريب المخدرات والأسلحة أو حتى لزعزعة الأمن في مدن الصحراء الغربية، بيد أن المغرب تجنب اتهام الجهات الأمنية الموريتانية بالتقصير أو التواطؤ مع شبكات تنشط في المنطقة واستبق زيارة الوفد الأمني بمهمة دقيقة للمنصوري في نواكشوط عكست رغبة مغربية على أعلى مستوى بالاستمرار في الحفاظ على درجة عالية من التشاور السياسي والتنسيق الأمني بين البلدين. وعلى رغم استمرار النزاع على المستعمرة الاسبانية السابقة، تحول مركز حدودي صغير يقع غير بعيد عن مدينة «نواديبو» العاصمة الاقتصادية لموريتانيا الى اهم معبر للتبادل التجاري بين البلدين حيث تنمو الصادرات المغربية الى موريتانيا باضطراد منذ انتهاء الأشغال في طريق يربط بين نواديبو والعاصمة نواكشوط، وخلال السنوات الماضية أصبحت الدارالبيضاء ومدن «الداخلة» و «العيون» الوجهة السياحية المفضلة لدى آلاف الأسر الموريتانية الموسرة التي اعتادت قضاء إجازة الصيف في جزر الكناري جنوبإسبانيا أو في فرنسا. الى ذلك نفى مصدر موريتاني رسمي بشدة وجود «أزمة» في العلاقات الموريتانية الجزائرية ووصف المصدر تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية ودولية عن بوادر أزمة في العلاقات بين البلدين بسبب تعيين موريتانيا ديبلوماسياً وسياسياً مخضرماً عمل والده ضابطاً في الجيش الملكي المغربي ويحمل الجنسية المغربية سفيراً في الجزائر ب «الشائعات المغرضة» التي تهدف الى «تسميم» أجواء العلاقات بين البلدين التي تحسنت كثيراً بعد اعتراف الجزائر بالنظام الموريتاني الجديد واجتماع الرئيس محمد ولد عبدالعزيز مع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في ليبيا على هامش الاحتفالات بالذكرى الأربعين لوصول العقيد معمر القذافي الى السلطة. وتحدثت وسائل إعلام موريتانية وأجنبية السبت عن «توتر» جديد في العلاقات الصعبة تقليدي بين البلدين الشقيقين الجارين، ونقلت صحيفة «الأخبار» الالكترورنية الموريتانية عن مصدر ديبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه قوله: «ان اقتراح وزارة الخارجية الموريتانية تعيين سفير موريتانيا الحالي في موسكو بلاها ولد مكية سفيراً في الجزائر يهدد بنشوب أزمة جديدة في العلاقات الموريتانية الجزائرية»، أضاف المصدر أن الجزائر تتجه الى رفض السفير الجديد وانها «صدمت بتعيين موريتانيا «مغربياً» سفيراً لديها في وقت أبدت فيه رغبتها في طي صفحة الماضي وبناء علاقات جديدة قوية بين البلدين» بعد أن تدهورت تدهوراً خطيراً عندما أطاح انقلاب عسكري بالرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله حيث رفض الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة غداة الانقلاب استقبال مبعوثين موريتانيين من بينهم قائد الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني وكلف كاتب الدولة عبدالقادر مساهل الاجتماع بهم وإبلاغهم موقف الجزائر الرافض الانقلاب ليغادروا الجزائر على عجل الى طرابلس الغرب. وأيدت الجزائر العقوبات التي فرضها الاتحاد الأفريقي على قادة الانقلاب كما استقبلت موفدين عن ولد الشيخ عبدالله بوصفه الرئيس الشرعي لموريتانيا طوال الأشهر العشرة التي تلت الانقلاب، بيد أن العلاقات بين البلدين تجاوزت «نكسة» الانقلاب إثر التوقيع في داكار على اتفاق سياسي بين الفرقاء الموريتانيين وانتخاب الجنرال محمد ولد عبدالعزيز رئيساً للجمهورية في انتخابات رئاسية توافقية شارك فيها أقطاب المعارضة. ويحاول ولد عبدالعزيز تفادي الرسوب في أول امتحان للديبلوماسية الموريتانية بعد انتخابه رئيساً للبلاد في الثامن عشر من تموز (يوليو) الماضي، وتحدث مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه ل «الحياة» عن استياء جزائري من الحضور العسكري المتزايد للفرنسيين على حدوده مع موريتانيا والتنسيق الأمني المكثف بين البلدين من دون إشراك الجزائر لمواجهة نشاطات تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» وتوج هذا التنسيق بزيارة قائد أركان الجيش الفرنسي موريتانيا وتفقد مواقع شمال البلاد وباستقبال ولد عبدالعزيز بحفاوة في باريس كحليف مهم في الحرب على الإرهاب في الساحل الافريقي. كما يقوم خبراء عسكريون فرنسيون بتدريب وحدات موريتانية خاصة بمكافحة الإرهاب تلاحق عناصر «القاعدة» التي تنشط في صحراء شاسعة شمال وشرق البلاد.