إن التاريخ الأليم بين فرنساوالجزائر ما زال حاضراً جداً. وكل رئيس فرنسي جديد يحاول دفع العلاقة مع الجزائر يفشل بسبب ثقل التاريخ بين البلدين. فقد فشل الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في تحسين العلاقة خصوصاً عندما اعتبر ان وقف المسار الانتخابي التشريعي في الجزائر كان خطأ عندما منعت السلطة العسكرية الإسلاميين من الوصول الى الحكم. ثم جاء الرئيس السابق جاك شيراك وحاول وضع معاهدة صداقة مع صديقه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وفشلت المحاولة وانتهى عهد شيراك بعد 12 سنة من دون التوصل الى ما كان يريده من علاقة جيدة مع الجزائر وتجاوز مآسي التاريخ بين البلدين. ثم أتى الرئيس ساركوزي ووصف نفسه بأنه رئيس القطيعة وزار الجزائر قبل أن يزور المغرب وهذا تطوّر في سياسة فرنسا، التي كانت دائماً تعتبر أن المغرب يحتل مكانة متميزة في سياستها الخارجية. وقال ساركوزي حين زار الجزائر أنه لا يسعى الى معاهدة صداقة بل إنه يريد علاقةً مميزة وممتازة مع الرئيس بوتفليقة. إلا أن شهر العسل بين البلدين انتهى سريعاً فقد وقعت أخطاء فرنسية مثل توقيف رئيس البروتوكول الجزائري في مرسيليا بتهمة خاطئة، وكذلك وقعت أخطاء جزائرية. فالرئيس الجزائري تجاهل كل رسائل نظيره الفرنسي والعلاقة بقيت سيئة. وواضح ان الجانبين مسؤولان عن البرودة والتوتر. فالرئيس الجزائري والسلطات الجزائرية ترفض التجاوب مع السلطات الفرنسية. لا شك أن تاريخ فرنسا في الجزائر ما زال يلعب دوراً في الشكوك الجزائرية إزاء فرنسا. ولا شك أيضاً أن بطء اتخاذ القرار في الجزائر وثقل البيروقراطية يعيقان الانفتاح الاقتصادي الذي أراده الرئيس بوتفليقة. ففي السنوات الأخيرة شهدت الجزائر عائدات نفطية وغازية أدّت الى حصولها على احتياطي من العملات الصعبة بأكثر من مئة بليون دولار. إلا أن هذا البلد ما زال يعاني من أوضاع يائسة بالنسبة الى البطالة والسكن والأوضاع الاجتماعية للشباب. فالتقدم بطيء على رغم العائدات الباهظة. وكثيرون يلقون مسؤولية البطء في التقدم على الفساد والبيروقراطية وبقايا الاقتصاد السوفياتي الذي ألقى بثقله على البلد. أما الرئيس بوتفليقة فقد عدل الدستور من أجل البقاء في سدة الرئاسة مثل معظم دول المنطقة. وعندما أُعيد انتخابه رحبت فرنسا رسمياً بهذا الانتخاب لأنها كانت تريد علاقة جيدة مع دولة مهمة. إلا أن العلاقة بين الرئيسين بوتفليقة وساركوزي أصبحت مثل التي كانت بينه وبين شيراك. هل ستشهد العلاقة بين فرنساوالجزائر يوماً صداقة ومصالحة حقيقية بعيدة عن الشكوك؟ كثيرون في فرنسا يشككون بالنوايا الجزائرية والعكس أيضاً صحيح. إلا أن المشكلة ليست في التاريخ فقط بل هي أيضاً في الأخطاء المرتكبة من الجانبين. فواقع الحال أن أنظمة شمال أفريقيا ليست أنظمة ليبرالية أو ديموقراطية. إلا أن العلاقة الفرنسية مع تونس جيدة ومع ليبيا القذافي ومع المغرب أيضاً، وكان العاهل المغربي اخيراً ضيفاً على الرئيس الفرنسي وزوجته كارلا بروني في باريس. فعلاقة فرنسا جيدة مع جميع هذه الدول باستثناء الجزائر.