لا يمكن للعلاقات التركية – الإسرائيلية أن تصل إلى حد القطيعة أو «اللحظة الحرجة»، على الأقل في المدى المنظور، لأنها علاقة قائمة على أسس جيوسياسية. فإسرائيل تحالفت مع تركيا لإحداث نوع من التوازن لمصلحتها؛ لأنها تعيش أزمة كيانية وسط محيط يرفض وجودها، إضافة إلى تحقيق أهداف اقتصادية وعسكرية وسياسية تمكنها من التفاعل في هذا المحيط والتكيف في إطاره. إسرائيل ترى أن وجود قوتين (غربيتين) في المنطقة سيساهم في تحقيق آمالها في نفوذ قوي أكثر ردعاً وفاعلية في المنطقة، بالإضافة إلى مسألة المياه التركية وأهميتها بالنسبة إلى إسرائيل. أما تركيا فإنها تتطلع من خلال تحالفها مع إسرائيل، إلى دور إقليمي يتناسب مع وزنها وتاريخها وتطلعاتها لأن تصبح لاعباً رئيساً في المنطقة، لذا تحتاج إلى حليف قوى في المنطقة يحظى بتأييد غربي. فضلا عن ذلك، فإن القضية الفلسطينية هي المفتاح للعب دور في المنطقة، وهذا المفتاح هو في يد إسرائيل في الأساس، وبذا تحاول تركيا أن تتوسط بين الطرفين وتلعب دوراً إيجابياً، ولكن إسرائيل لا تزال تضع العراقيل أمام أي تدخل تركي في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. أضف إلى ذلك إن علاقة تركيا بإسرائيل تؤثر إيجاباً لجهة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال تفعيل اللوبي اليهودي في أوروبا والولايات المتحدة. فضلاً عن المكاسب التي يحققها البلدان من جراء التعاون العسكري والاقتصادي والتبادل التجاري الذي لا غنى عنه لهما. وأخيراً أن تركيا قادرة على المزاوجة بين الاعتبارات الأخلاقية والأوليات الإستراتيجية، فالسياسة التركية قادرة على أن تسير في أكثر من اتجاه، وكل هذه المتغيرات يعمل لمصلحة استمرار العلاقات بينهما على الأقل في المدى المنظور. أمام هذه المعطيات فإن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردغان، لن يجري تغييرات جذرية على سياسة بلاده تجاه إسرائيل، ومنها بالطبع تعاونهما العسكري، وبخاصة في ظل حكم نخبة العدالة والتنمية الموصوفة بالبرغماتية، بل كل ما يستطيع فعله هو تغيير تدريجي وبطيء يحتاج إلى فترات طويلة. إن ما يقلق إسرائيل على المدى البعيد هو استمرار تراجع القاعدة الشعبية الداعمة لتوثيق العلاقات التركية - الإسرائيلية، ما يؤدي إلى تراجع شعبية النخبة العلمانية التي تدعم التوثيق العلاقات مع إسرائيل، بخاصة أن خيار التعاون التركي معها كان مرتبطاً بالصراع القائم داخل تركيا على خيار الهوية، لأن داعمي خيار الهوية الغربية يرون أن ربط بلدهم بإسرائيل، القلعة المتقدمة للعالم الغربي في الشرق الأوسط، يمكن أن يلعب دوراً في حسم خيار تركيا العلمانية على حساب خيار تركيا الإسلامية الذي سعى أربكان إلى فرضه في السابق. إن تراجع شعبية النخبة العلمانية التركية، وتشكيل رأي عام تركي قادر على فرض نفسه إضافة الى بيئة إقليمية ودولية مواتية لذلك، كل ذلك سيؤثر سلباً على استمرار العلاقة بين إسرائيل وتركيا. ان ما يشكل هاجساً لإسرائيل يدفعها الى عدم التخلي عن هذه العلاقة هو خوفها من تكرار السيناريو الإيراني عندما فقدت إسرائيل حليفاً استراتيجياً هو الشاه كان يعمل ضد القومية العربية. لأن أحد مرتكزات النظرية الأمنية الإسرائيلية هو «القفز فوق الحلقة المباشرة المتمثلة بدول عربية معادية عن طريق إيجاد تحالف مع إيران ومع تركيا ومع أثيوبيا»، وهو مخطط من صنع دافيد بن غوريون ومستشاريه، بهدف التطلع نحو صد القدرة العربية في الشرق الأوسط. أن التوجسات المتعلقة بتعريض العلاقات التركية - الإسرائيلية بسبب انتقادات تركيا للسياسة الإسرائيلية وموقفها الأخير المتشدد إزاء إسرائيل، هو أمرٌ بعيدٌ عن الحقيقة وليس له سند واقعي؛ لأن هذا التدهور لن يكون لا لمصلحة تركيا ولا لمصلحة إسرائيل، على الأقل في المدى المنظور .