أفاد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بتلقيه هدية من وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، كانت ثلاث مكتبات قيمة، تضمنت نسخاً نادرة في فنون التفسير والفقه واللغة والشعر ودوريات من دمشق والقاهرة وبغداد. وأشار الأمين العام للمجمع الدكتور محمد العوفي إلى أن المكتبات المهداة إلى الصرح القرآني، بلغت نحو ثمانية آلاف مجلد، تاريخ طباعة بعضها يعود إلى قرنين، فاحتاج 1500 مجلد منها إلى ترميم. لكن إهداء الوزير المعلن عنه من جانب أمانة المجمع، يخفي وراءه قصة أخرى ل «غرام وزير شغفته الكتب والأسانيد حباً»، فعلى رغم تكتم آل الشيخ حول هذه الهواية الخاصة والنادرة جداً، إلا أن المتابعين لأسفاره ونشاطاته والمقربين منه يلاحظون ولعه الشديد بشراء الكتب النادرة والمخطوطات القيمة مهما غلا ثمنها. بل يزيد على ذلك بتقصي آثار أكابر العلماء خارج المملكة، لشراء ما خلّفوه من إرث مكتبي، لأهداف تجمع بين عون ذويهم من بعدهم والحظوة بأثمن الطبعات. وتتردد في هذا الصدد عن الرجل القوي في المؤسسة الدينية السعودية، كما تصفه بعض الكتابات الغربية، قصص يصعب التأكد من ثبوتها، بسبب زهده المفرط في الحديث عن شخصه. إلا أن المقربين منه يروون كيف كان البحث عن الطبعات والمخطوطات النادرة محوراً يضاف إلى جدول أعماله في معظم المناسبات الرسمية التي تقوده إلى مظان نفائس الطبعات والمخطوطات، في بلاد المغرب العربي ومصر والشام والهند. إلى جانب سفرائه من الأصدقاء والتلاميذ وأرباب المكتبات في نواح عدة. شغف آل الشيخ بنفائس التراث يتجاوز معاصريه من العلماء الذين اشتهر عنهم انتقاء نوادر فنون الحديث والتفسير والفقه، إلى اهتمام حفيد ابن ابراهيم، بالدوريات والمجلات التي يصطفي منها ربما أكثر مما أهدى لمجمع الملك فهد بكثير. ولع الوزير بالكتب النادرة، إلى جانب شغفه بالريادة العلمية مبكراً، دفعه إلى قصد أشهر الجهابذة العلماء في عصره للقراءة عليهم وأخذ أعلى الأسانيد عنهم، حتى روى قصصاً له معهم لا تخلو من طرافة. بينها ما حكاه عن عالم العربية الأشهر محمود شاكر، إذ قال الشيخ صالح: «سألته أن يدلني على كتاب في اللغة أستفيد منه. فقال لي: كتاب لسان العرب! فقلت: لسان العرب 20 مجلداً كيف أقرؤه؟ قال: إذاً ابحث لك عن وظيفة أو عمل تشغل به نفسك، أنت لا تصلح للعلم! ثم قال الشيخ محمود: إيش 20 مجلداً! قرأناه على شيخنا مرتين ولم نكمل الثالثة». وفي لحظات نادرة يبث الوزير عن مكنونه نحو المخطوطات، بما يكفي دليلاً على حبه الدفين لهذا المجال الذي يكاد المهتمون به من الوجهاء يندثرون. هذا ما بدا منه حين سطر بحروف من شجن مقدمة «مكتبات الدولة السعودية الأولى المخطوطة»، فخلع على كاتبه حمد بن عبدالله العنقري من الثناء ما استطاع، ثم عرج على البحث متغزلاً، يقول: «مشرق إشراقة شمس الربيع، وممتع إمتاع أزاهيره، ومؤنس إيناس لقاء الأحبة». وفي دروسه العلمية، إن جاءت المناسبة للحديث عن كيف يقتني الطالب الكتب أو يعتني بها، تجد آل الشيخ لا يغادر صغيرة في الاعتناء بالكتاب وانتقائه، إلا أشبعها توكيداً، حتى خصص أطروحات ل «آداب طالب العلم والكتب». لكن الوزير المثير في مزاوجته بين الأصالة والحداثة كان أفضل حالاً من مغرمين بالمخطوطات طلقوا زوجاتهم بعد أن اشتكين حصار الكتب، وآخرين اشترى أحدهم مخطوطاً ب 30 ألف ريال، في وقت كان دخله الشهري ألف ريال. وكما قيل «للناس في ما يعشقون مذاهب».