أياً تكن حيثيّات بث الصّيغة «البديلة» من النشيد المعروف «موطني»، فإن الواضح أن قناة «الجزيرة» من خلال بث نسخته المتهكمة سقطت في جريرة السّخرية من قيم ومُثل وطنية فلسطينية وعربية كانت على مدار عقود طويلة تكثّف تطلعات المواطنين العرب وآمالهم.لم يكن منطقياً أن يفسّر المشاهدون تلك النسخة التهكمية على أنها صورة النقد للخلل الفادح في الحال السياسية الفلسطينية الرّاهنة، فالخلط يقع هنا بين النشيد كصيغة جمالية – معنوية، وبين النقد كحق تفرضه الحرّية وتحض عليه. وبما أننا في مجال الحديث عن نشيد «موطني»، نرى من الضروري توضيح الخطأ الشائع الذي يعتبره النشيد الوطني الفلسطيني ربما لأن مؤلفه هو شاعر فلسطين الرّاحل إبراهيم طوقان، وهو خطأ كان ولا يزال يحكم نقاشات كثر من الفلسطينيين والعرب. «موطني» نشيد عربي شهير كتبه إبراهيم طوقان في ثلاثينات القرن الفائت، ولحّنه الأخوان فليفل، وانتشر بين المواطنين العرب في عهود ما قبل الاستقلالات العربية، خصوصاً أنه كان يدعو اليها ويحرّض عليها: «الشباب لن يكلّ، همّه أن تستقلّ أو يبيد». استقلت كل البلدان العربية، وظلّت فلسطين تحتاج وحدها أن تلحّ على تلك الجملة الخالدة: «همّه أن تستقل». كان «موطني» كنشيد مثار جدالات بين بعض المثقفين الفلسطينيين والرئيس الرّاحل ياسر عرفات لاعتماده نشيداً وطنياً فلسطينياً رسمياً، لكن ذلك لم يحدث، وظل أبو عمار يتمسك بنشيد «فدائي» كنشيد وطني رسمي. ذلك بالطبع لا يقلل من شأن «موطني» أو قيمته أو حضوره في وجدان المواطنين الفلسطينيين والعرب، ولهذا السبب بالذات بدت مسألة بث نسخة كاريكاتورية منه على قناة «الجزيرة» أقرب إلى نوع من «التجديف» في قضايا يفترض الجميع أنها فوق المنازعات السياسية والاختلافات العقائدية. وزاد الطين بلّة أن بثّ النسخة إياها جاء في سياق سياسة إعلامية مارستها «الجزيرة» طيلة السنوات الأخيرة وكان عنوانها الأبرز في غير مصلحة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ما جعل تلك «اللّغة الكاريكاتورية» للنشيد تبدو وكأنها تمس تطلعات الفلسطينيين وتسخر منها. مع ذلك، نرى ان المسألة أخذت بعداً لا يجوز أن يستمر، مع أنه يدعونا الى الانتباه لرؤية خيط دقيق بين النقد بمعناه وتأثيره الإيجابي، وبين عكسه، اي السخرية والتجريح.