تتطلع الأوساط السياسية والعسكرية في ايران، بعد التفجير الانتحاري في مدينة سرباز بمحافظة سيستان بلوشستان جنوب شرقي البلد، الى رد فعل «الحرس الثوري» الذي اصيب بنكسة أمنية بعد مقتل عدد من قادته في التفجير الذي تبنته جماعة «جند الله». وتوحي تصريحات قادة «الحرس» برغبتها في ملاحقة عناصر الجماعة داخل الأراضي الباكستانية، بمجرد نيلها موافقة القيادة السياسية، اذ تتحدث معلومات ايرانية عن امتلاك الأجهزة الأمنية ادلة ووثائق كافية عن تحرك زعماء الجماعة وعناصرها داخل الأراضي الباكستانية، سواء في المناطق المتاخمة للحدود او داخل بعض المدن الباكستانية مثل كويتا وإقليم السند. لكن السوال المطروح هو: هل تستطيع الديبلوماسية الإيرانية الحصول على موافقة الحكومة الباكستانية على هذا الإجراء؟ وما هي الآفاق الأمنية والعسكرية التي ترافق مثل هذه الخطوة؟ بداية يجب التذكير بالعلاقات الاقتصادية والسياسية و «الأمنية» الجديدة التي تربط طهران بإسلام آباد، ومن حيث المبدأ تستطيع الحكومة الإيرانية ان تتحدث بصراحة مع نظيرتها الباكستانية في امور مماثلة، لكن مراقبين يعتقدون ان «التوغل داخل الأراضي الباكستانية» قد لا يعني اسلام آباد بمفردها، بل ايضاً أطرافاً أخرى موجودة على الأراضي الباكستانية او في افغانستان القريبة منها، مثل قوات حلف شمال الأطلسي او القوات الأميركية. وإذا صحّت المعلومات الإيرانية حول وجود «ارتباط ما» بين «جند الله» وضباط اميركيين، فهل تسمح الولاياتالمتحدة بتوغل «الحرس الثوري» في الأراضي الباكستانية، وملاحقة عناصر الجماعة، كما تقوم القوات التركية بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» شمال العراق؟ يمكن ان يكون الجواب على سؤال مماثل، اختباراً ايرانياً للإرادة الأميركية في «هذا المجال الأمني»، والذي يأتي في اطار «تعزيز الثقة بين البلدين»، خصوصاً ان ايران تطالب «بدور أمني» في القضايا الإقليمية، بعدما نجحت في عقد لقاءات مباشرة عدة وعلنية مع مسؤولين اميركيين في جنيف وفيينا خلال الشهر الجاري، والتي ادت الى وضع مسودة اتفاق حول تخصيب اليورانيوم الإيراني في روسيا. من هي جماعة «جند الله»؟ جماعة «جند الله» التي يتزعمها عبد الملك ريغي، هي حركة منشقة من حزب «الفرقان» الذي يتزعمه جليل قنبر زهي «شه بخش» المعروف بمولوي صلاح الدين، اذ تتبنى الحركتان أفكاراً قريبة من تلك التي تتبناها حركة «طالبان» في باكستان وأفغانستان، ودرس اتباعهما في مدارس «طالبان» في كراتشي وكويتا والبنجاب وإقليمي وزيرستان والسند الباكستانيين، حيث ثمة افكار متطرفة وسلفية، وتحديداً ضد المذاهب الإسلامية الأخرى. وتتهم السلطات الإيرانية «جند الله» بالارتباط بالأجهزه الأمنية البريطانية والأميركية والإسرائيلية، من خلال عناصر في الاستخبارات الباكستانية. وتلتقي «جند الله» في الأفكار والممارسات مع «جيش محمد» و «جيش الصحابة» الباكستانيين اللذين يكفران اتباع المذهب الشيعي الذي تدين به غالبية الشعب الإيراني. وتُعتبر المناطق الواقعة جنوب غربي باكستان، ومنطقة سرحدان الإيرانية والأفغانية، مناطق آمنة لهذه الحركات. وتتحدث مصادر ايرانية عن ارتباط زعماء حزب «الفرقان» و «جند الله» بضباط ارتباط اميركيين يعملون في باكستان، اضافة الى ضباط في الاستخبارات الباكستانية. ونجح عبد الملك ريغي وبقية المنشقين من مناطق سيستان بلوشستان في استغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها سكان المحافظة وانتشار تجارة المخدرات، اضافة الى الأوضاع الأمنية المتردية في المناطق الأفغانية والباكستانية المجاورة منذ عام 2000، لنشر افكار الجماعة وعقائدها سواء التي تتعاطى مع المذاهب الإسلامية الأخرى او تلك التي تدعو الى تأسيس منطقة بلوشستان الكبرى في باكستان وإيران وأفغانستان. ووقفت الجماعة وراء عمليات عسكرية عدة استهدفت القوى الأمنية وقوات الشرطة و «الحرس الثوري» الذي استلم اخيراً مهمة الأمن في سيستان بلوشستان.