ليس الوصول اليهم صعباً.عنوانهم يشير الى حي المنصور، أحد أرقى أحياء بغداد. لكن «مجاورة السعيد لا تجلب السعادة دائماً»، كما يقول ناصر هادي جاسم الذي شيد منزلاً من طين وقناني البيبسي وعلب الصفيح في الطابق الثاني لمبنى مقر قيادة القوات الجوية الذي اصيب بنحو 50 صاروخاً خلال الغزو الأميركي عام 2003 وتحول الى ركام استغلته عشرات العائلات السنية والشيعية المهجرة من مناطقها، متجاوزة بفقرها، الشحن الطائفي. جاسم الذي تحلق اطفال الحي الحفاة حوله أشار الى خط التماس السابق بين حيي الزهور السني، والوشاش الشيعي، حيث دارت لشهور معارك طائفية من العيار الثقيل أودت بحياة العشرات. وقال: «نراقب منذ سنوات التصفيات الطائفية من فوق هذه البنايات المهدمة (....) كنا نجلس سنة وشيعة هنا نراقب حركة المنطقتين. ناس غادروا وآخرون أتوا. بعضهم جاء الينا لنعثر له على زاوية يجمع فيها لحمه الحي تحت ركام القذائف». الرجل الخمسيني يتولى كما يبدو إدارة الحي، ورعاية من فيه، وجمع التبرعات لإعانة العائلات التي دفعت بها الفاقة وفقدان المعيل الى كومة الانقاض وسط بغداد. فاتن ساجت (50 سنة) فقدت زوجها وابنها الكبير بانفجار وهجرت وبناتها من حي سبع البور، شمال بغداد، لتجد نفسها في بيت صفيح في احد مباني القوات الجوية المهدمة. قصص آلاف العائلات التي تسكن اليوم بطريقة عشوائية معسكرات متروكة للجيش العراقي السابق، ومؤسسات حزب البعث التي تعرضت للقصف الجوي، تبدو متشابهة، وتشهد نقاشات عقيمة في المؤسسات الرسمية التي ترغب في اخلائهم، فيما يطالبها المهجرون ببدائل لسكنهم. قال ناصر هادي ان محاولات اخلاء هذا الحي لم تتوقف، على رغم ان أبنيته غير صالحة، وتحتاج الى هدم وإعادة بناء، ليست موجودة في خطط الدولة حالياً وربما لسنوات مقبلة. وتابع:» تظاهرنا قبل شهور عندما جاءتنا أوامر قضائية بإخلاء المجمع وحصلنا على ضمانات من رئيس الوزراء نوري المالكي بعد الإخلاء حاليا». أم حسن تسكن في قاعة كان يستخدمها قائد القوات الجوية السابق، واخترقها صاروخ من السقف فاستخدمت الجدار المنهار في بناء غرفة من الطين وعلب الصفيح قالت:»انا من سكان الفلوجة سابقاً فقدت ابنائي في العمليات الحربية ولم يبق لي شيء هناك». سكان الحي الذي تشغله حوالى 150 عائلة اصولها من النجف والديوانية والعمارة جنوباً، والرمادي غرباً وسامراء شمالاً، يمتهنون اعمالاً. أطفالهم يتوجهون الى اشارات المرور للتسول او بيع المناديل الورقية. قال حسن (10 سنوات) وهو يمسح وجهه الصغير بخرقة متسخة انه «لايلمس المناديل الورقية التي يبيعها فهي لم تصنع لأمثاله». وأكد السكان ان احداً من المسؤولين لم يزر هذا الحي او يتواصل مع ابنائه المتصالحين مع واقعهم إلى حدود اللامبالاة، فبسماتهم وضحكاتهم تراقب كاميرا المصور، غير آبهين بحياة من دون مقومات الحياة، فلا كهرباء ولا ماء ولا مجاري صحية ولا خدمات. حياتهم، على ما قال عمر العلوان، وهو طالب ترك كلية الإدارة والاقتصاد ليعيل عائلة من 7 أطفال: «مجرد مزحة ثقيلة لا تستحق الانشغال بها».