غداة المسيرة الفرنسية والدولية في باريس التي حشدت 4 ملايين شخص للتنديد بالإرهاب بعد اعتداءات باريس الأسبوع الماضي التي خلّفت 17 قتيلاً، أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان اثر اجتماع أمني في قصر الاليزيه، أن 10 آلاف من عناصر القوات المسلحة سينتشرون بدءاً من اليوم لضمان أمن «نقاط حساسة في البلاد» لم يكشفها، فيما انتشر حوالى 5 آلاف شرطي ودركي أمس لحماية 717 مدرسة وأماكن عبادة يهودية، في وقت تستمر «حملة المطاردة» للعثور على «شريك أو أكثر» لمنفذي اعتداءات باريس. وأكد لودريان أن الحشد العسكري سيُنشر للمرة الأولى على مجمل أراضي فرنسا، متحدثاً عن «عملية داخلية فعلية تتناسب مع حجم التهديدات» التي تواجهها البلاد. ورجح رئيس الوزراء مانويل فالس وجود شركاء محتملين للمنفذين، معلناً أن 1400 فرنسي أو مقيم في البلاد رحلوا أو أبدوا رغبة في الرحيل للقتال في سورية والعراق، ومقتل 70 منهم. وقال: «إنها زيادة كبيرة في وقت قصير. كانوا 30 حين توليت منصب وزير الداخلية منتصف 2012، واليوم 1400». وفي منتصف كانون الأول (ديسمبر)، قدرت الحكومة تورط 1200 شخص في القتال، وسقوط 60 منهم. وأشارت إلى وجود 390 في مناطق القتال و231 متوجهين إلى العراق وسورية، في حين غادر 234 منهم سورية بينهم 185 عادوا إلى فرنسا. وأضاف فالس: «ينتمي الشقيقان شريف وسعيد كواشي اللذان نفذا الاعتداء على صحيفة شارلي ايبدو إلى الذين رحلوا لتلقي تدريبات على الموت والإرهاب. لكن شريكهم أحمدي كوليبالي لم يرحل، ولم يكن في رادار أجهزة الاستخبارات». وتقول السلطات إنها فككت أخيراً 13 خلية تجنيد إلى سورية والعراق، علماً أن فرنسا تعتبر مع بلجيكا، في طليعة البلدان الغربية التي ينطلق منها أكبر عدد من المتطوعين للقتال في صفوف تنظيم «داعش». وتفقد وزير الداخلية برنار كازنوف مدرسة يهودية في ضاحية مونروج جنوب باريس تقع قرب موقع أردى فيه كوليبالي شرطية الخميس، قبل أن يهاجم في اليوم التالي متجراً للأطعمة اليهودية شرق العاصمة، حيث قتلته قوات الأمن. وأبلغ أهالي التلاميذ نشر حوالى خمسة آلاف عنصر أمن لحماية كل المدارس اليهودية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو زار معبد باريس الكبير أول من أمس، بعد انتهاء المسيرة الفرنسية والدولية التي حشدت 4 ملايين شخص للتنديد بالإرهاب. وأشاد في كلمة ألقاها بإنقاذ موظف مسلم من مالي أسرة يهودية خلال عملية احتجاز رهائن قتل فيها أربعة يهود في متجر للبضائع اليهودية الجمعة. وقررت أسر اليهود الأربعة القتلى دفنهم في إسرائيل اليوم. جدل تركي - سوري وفي سياق التحقيقات، نفى وزير الخارجية رمطان لعمامرة بعد مشاركته في المسيرة المليونية بباريس، علاقة الشقيقين كواشي بالجزائر التي تنحدر أصول أوليائهم منها، لافتاً إلى أنهما «لم يزورا الجزائر سابقاً أو حاولا الحصول على وثائقها. لكنه أعلن توجه محققين جزائريين إلى باريس للمساهمة في التحقيق حول الشقيقين. ويعتقد بأن أجهزة الأمن الجزائرية والتونسية أدرجت الشقيقين كواشي على لائحة الأفراد الخطرين، كما تدرج الاستخبارات الأميركية اسميهما ضمن لائحة تتضمن أسماء 48 ألف مشبوه في علاقته بالإرهاب، ما يفسر مطالبة فرنساالجزائر بالمشاركة في التحقيق الذي فتح في فرنسا، ويمتد إلى تركيا وسورية واليمن. وأبدى لعمامرة استياء الجزائر من التركيز على أصول الأخوين كواشي في وسائل الإعلام، وقال: «من المهم عدم الحديث عن هوية مواطنين فرنسيين». في تركيا، أكد وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن حياة بومدين، رفيقة كوليبالي، دخلت سورية في 8 الشهر الجاري عبر تركيا. وأوضح أن «بومدين وصلت إلى تركيا في الثاني من الجاري قادمة من مدريد، وهناك صور لها في المطار، ثم مكثت مع فرنسي يدعى مهدي صبري بلحسين (23 سنة) في أحد فنادق حي كاديكوي (ضفة إسطنبول الآسيوية)، قبل أن تنتقل إلى سورية في 8 الجاري وبياناتها الهاتفية تثبت ذلك». ويعني ذلك أن بومدين البالغة 26 من العمر لم تكن موجودة في فرنسا عند تنفيذ كوليبالي العمليتين، علماً أن أجهزة الأمن الفرنسية كررت مرات أخيراً لومها الاستخبارات التركية على عدم تعاونها في مكافحة الشبكات الجهادية التي سمحت لآلاف المقاتلين الأوروبيين بالالتحاق بسورية عبر تركيا. وأوضح مصدر أمني تركي أن المرأة حملت تذكرة ذهاب وإياب من مدريد إلى باريس، فيما أبلغ مصدر آخر صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة أن بومدين توجهت إلى مدينة شانلي أورفه (جنوب شرق) قرب حدود سورية التي دخلتها من معبر اكجاكالي، أحد نقاط العبور الاعتيادية للأجانب الذين يرغبون في الانضمام إلى تنظيمات متطرفة. وبحسب الصحيفة فان أجهزة الاستخبارات التركية تعرفت إلى الرجل الذي أقام معها في تركيا على أنه مهدي صبري بلحسين وهو مواطن فرنسي عمره 23 سنة. واعتبرت وزارة الخارجية السورية أن كلام وزير الخارجية التركي بدخول بومدين سورية عبر تركيا «يُشكل اعترافاً رسمياً بأن تركيا لا تزال تشكل المعبر الرئيس لتسلل الإرهابيين الأجانب إلى سورية، وعودتهم إلى الدول التي انطلقوا منها، في انتهاك فاضح لقرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب». وأضاف: أن «تحرك الإرهابيين بسهولة عبر أراضي تركيا يُثبت مجدداً تواطؤ حكومتها مع المجموعات الإرهابية المسلحة، ويجعل أنقرة شريكاً مباشراً في سفك دماء السوريين والأبرياء في أنحاء العالم. لذا نطالب المجتمع الدولي التحرك بفاعلية لإنهاء هذه السياسة التركية المدمرة المسؤولة عن تنامي النشاط التكفيري للإرهابيين في المنطقة، وتفعيل آليات تنفيذ قرارات مجلس الأمن لوقف دعم الإرهاب والتصدي لظاهرة المقاتلين الأجانب». ولاحقاً، صرح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحافي مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في برلين بأنه «لا يمكن لومنا على دخول بومدين بلدنا قبل هجمات باريس». وزاد: «يلزمها أولاً معلومات استخباراتية لمنع دخول مسافرين مشبوهين. وقد رحلنا سابقاً بين 1500 وألفي أجنبي بسبب إدراج أسمائهم على لائحة سوداء قدمتها وكالات استخبارات أجنبية». وفي بيان رصده موقع «سايت» الأميركي لمراقبة منتديات الإسلاميين المتشددين على الإنترنت، امتدح مختار بلمختار، القيادي الجزائري السابق في تنظيم «القاعدة» اعتداءات باريس، وحض المسلمين في الغرب على شن هجمات مماثلة. وقال: «يبرر هذه الهجمات العدوان الغربي على المسلمين في العالم، مثل الحملة العسكرية التي تشنها فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي». وفي كانون الثاني (يناير) 2013، هاجم مقاتلون بقيادة بلمختار محطة «عين أميناس» للغاز الجزائرية قرب حدود ليبيا، وقتلوا 40 متعاقداً غالبيتهم أجانب في حصار استمر 4 أيام، وانتهى بمهاجمة القوات الجزائرية المنشأة. كيري ومركل والبابا في الهند، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه سيزور باريس الجمعة لإجراء محادثات مع القادة الفرنسيين بعد هجمات باريس. وقال: «علاقتنا مع فرنسا ليست رهن يوم أو لحظة خاصة، ونريد إظهار الرابط مع أقدم حلفائنا بعد الاعتداءات، وتأكيد قيمنا المشتركة خصوصاً التزام حرية التعبير». وكانت وسائل إعلام أميركية انتقدت بشدة غياب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن مسيرة باريس. وكتبت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» على صفحتها الأولى متوجهة إلى أوباما: «لقد خذلت العالم». أما نوت غينغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي فقال: «من المحزن أن يظهر 50 من زعماء العالم تضامنهم في باريس، في مقابل رفض أوباما المشاركة. الجبن مستمر». وكان وزير العدل الأميركي اريك هولدر موجوداً في باريس لكنه لم يشارك في المسيرة، فيما سار آلاف في واشنطن أول من أمس يتقدمهم السفير الفرنسي في واشنطن جيرار ارو ونظرائه في دول عدة إضافة إلى مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، تضامناً مع الضحايا. في ألمانيا، أعلنت المستشارة مركل العائدة من باريس وعدد من وزرائها مشاركتهم في تظاهرة أمام بوابة براندبورغ في برلين تنظمها جمعيات إسلامية «اليوم من أجل ألمانيا منفتحة ومتسامحة»، بعد اعتداءات فرنسا باريس. ومن شعارات هذه التظاهرة: «الإرهاب، ليس باسمنا»، علماً أن المستشارة نددت مرات بالتظاهرات المتكررة التي نظمتها حركة «بيغيدا» المناهضة للإسلام والتي تظاهرت مجدداً في دريسدن ليل أمس. وكانت الشرطة الألمانية أطلقت مشبوهين في إلقاء عبوة حارقة أول من أمس على صحيفة «هامبورغر مورغن بوست» ألمانية في هامبورغ التي كانت نشرت رسوماً مسيئة للإسلام أخذتها عن «شارلي ايبدو». وأوضحت الشرطة في بيان: «لم تؤكد تحرياتنا الشبهات ضد الرجلين، لذا أطلقا والتحقيق متواصل في الحادث». في الفاتيكان، دان البابا فرنسيس «الأشكال المنحرفة للدين». وقال في خطابه السنوي أمام أعضاء السلك الديبلوماسي: «حين يخسرون حريتهم، يصبح الناس عبيداَ سواء للبدع الحديثة أو السلطة أو المال أو حتى الأشكال المنحرفة للدين»، محملاً المسؤولية إلى «ثقافة الرفض التي تفكك المجتمع وتوّلد العنف والموت». وحض زعماء المسلمين في العالم على إدانة التفسيرات المتشددة للدين التي تبرر العنف لتنفيذ مخططات عقائدية غرضها الوحيد هو السلطة على آخرين». في بريطانيا، أفاد مكتب رئيس الوزراء ديفيد كامرون أن لندن ستكثف جهودها لوقف تهريب أسلحة عبر الحدود بعد هجمات فرنسا، كما ستحدث البروتوكولات الأمنية لدى أجهزتها للتعامل مع هذه الحالات. وفي آب (أغسطس)، رفعت بريطانيا مستوى التأهب من هجمات إرهابية إلى ثاني أعلى مستوى، ما يعني أن تنفيذ هجوم إرهابي «احتمال كبير». وقال رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية (إم آي 5) الأسبوع الماضي إن مقاتلي «القاعدة» في سورية يخططون لهجمات يسقط فيها ضحايا بأعداد كبيرة في دول غربية.