يخوض الجيش الباكستاني معارك ضارية مع مقاتلي حركة «طالبان» في مناطق جنوب وزيرستان، بعدما طلبت منه الحكومة التدخل وحسم الوضع، عقب أسبوع من العمليات الانتحارية الدموية أوقعت أكثر من 175 قتيلاً في مدن عدة. وباشر الجيش أمس هجوماً برياً وجوياً على معاقل المتشددين، وأفاد في بيان أن أربعة جنود قتلوا وجرح 12 آخرون خلال مواجهتين. وكان الجيش الباكستاني، الذي يشعر بالإهانة بعد هجوم مسلحي «طالبان» على مقر قيادته العامة في راولبندي قبل أسبوع، قدّم شرحاً مفصلاً إلى الحكومة والأحزاب حول الأخطار الأمنية التي تتهدد البلاد بعد تنامي قوة «طالبان» وتزايد عملياتها المسلحة، فمنح تفويضاً لشن هجمات واسعة من أجل اجتثاث المتشددين. وأشار الناطق باسم الجيش اللواء أطهر عباس إلى مشاركة أكثر من 28 ألف جندي (فرقتين مسلحتين) إضافة إلى أكثر من 500 عنصر من قوات المظليين في المعارك، تساندهم طائرات ومروحيات قصفت في شكل متواصل مواقع للمقاتلين القبليين الموالين ل «طالبان» وتحصيناتهم. وأوضحت مصادر قبلية وأمنية أن الجيش يسعى إلى القضاء على مقر قيادة «طالبان باكستان»جنوب وزيرستان، من خلال هجوم يشنه على ثلاثة محاور هي: جندولا ورزمك وبلدة وانا لحصار مناطق لادها، وماكين التي تعتبر المعقل الحصين لمسلحي قبائل حكيم الله محسود في المنطقة. وطلبت قيادة الجيش من إدارات الأقاليم ووزارة الداخلية رفع حال التأهب في المدن الباكستانية إلى الدرجة القصوى، تحسباً لعمليات انتقامية ينفذها مسلحو «طالبان». وأشار مسؤولون أمنيون في بيشاور إلى رفع درجة التأهب فيما أقيمت حواجز إضافية في إسلام آباد وراولبندي، وشددت إجراءات التفتيش على مداخل المطارات والأماكن العامة، بينما طلبت السفارات الأجنبية والأمم المتحدة من موظفيها تجنب التجول في العاصمة ومدن أخرى. ويقاوم المسلحون القبليون القوات الباكستانية بشراسة، وذكر الناطق باسم الجيش أن المتمردين يستخدمون راجمات صواريخ ومضادات للطائرات، ويستفيدون من خبرتهم في المنطقة وتضاريسها وسهولة تنقلهم فيها، خلافاً لقوات الجيش التي أحضرت من مناطق مختلفة. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن خبراء تحذيرهم من أن هجوماً برياً في وزيرستان قد يلحق خسائر فادحة بالقوات المدرّبة على الحرب التقليدية وفي منطقة يصعب فيها نقل الدبابات وقطع المدفعية الثقيلة. وعمد الجيش خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى محاولة إنهاك مقاتلي «طالبان» في المنطقة، وإضعافهم بغارات جوية على مواقعهم ومحاولة اغتيال قياداتهم، لكنها لم تحدّ من قدرات الحركة التي تمكنت خلال الأيام ال 12 الماضية من استهداف مراكز أمنية في راولندي وبيشاور ولاهور وكوهات، وباغتة مقر قيادة الجيش الباكستاني واحتجاز بعض قادة استخباراته رهائن لساعات، قبل أن يتمكن من القضاء على المهاجمين وتحرير الرهائن. ويرصد الجيش في المنطقة أكثر من 10 آلاف مسلح قبلي، يدعمهم أكثر من 1500 مقاتل أجنبي غالبيتهم من الحركة الإسلامية الأوزبكية التي قتل قائدها طاهر يلداشيف الشهر الماضي في غارة شنتها طائرات أميركية من دون طيار على مناطق القبائل، إضافة إلى مجموعة صغيرة من العرب تشكل الحلقة القيادية للمقاتلين القبليين، بحسب تأكيد الجيش. وكانت قيادة الجيش طلبت من الإدارة الأميركية تزويدها معدات تشمل مناظير ليلية دقيقة ومروحيات «كوبرا» وأخرى لنقل الجنود. لكن واشنطن لم تستجب، بضغط من الهند، خشية أن تستخدم إسلام آباد هذه الأسلحة في مواجهة الجيش الهندي على الحدود، وخط وقف النار بين البلدين في منطقة كشمير المتنازع عليها. إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أميركيين أن الحملة العسكرية في وزيرستان سرّعت تحريك إرسال المساعدات. وأكدوا أن عتاداً بقيمة 200 مليون دولار في طريقه إلى باكستان، مشيرين إلى أن المركبات المدرّعة والمناسبة لمختلف التضاريس هي من الأولويات.