منذ سنوات عدة وأنا أستخدم الكمامات الطبية نظراً لإصابتي بالربو، ولي فيها مآرب كثيرة، منها حماية صدري من التعرض للغبار، وكذلك الروائح النفاذة التي تستخدم في تنظيف المنزل، إضافة إلى روائح العطور القوية، ودخان البخور، وغيرها من المنغصات التي يتعرض لها مرضى حساسية الصدر، وكنت أشتري من الصيدلية كرتونة واحدة من هذه الكمامات ب «40» ريالاً إذا كانت من الحجم الكبير، وب «20» ريالاً إذا كانت من الحجم الصغير، وفي الشركات الطبية أجدها بسعر أقل. قبل أسبوعين طرقت باب إحدى الصيدليات لأشتري من هذه الكمامات كالعادة، ولكنني صعقت عندما رفض الصيدلاني أن يبيعني كرتوناً واحداً منها، وقال لي بالصوت العريض لم نعد نبيعها إلا بالفرادى، والواحدة منها «بريالين»، علماً بأن الأربع منها كانت تباع بالفرادى وقبل ظهور وباء أنفلونزا الخنازير «بريال» واحد فقط. دائماً ما نعاني من الاستغلال في كل الكوارث والأزمات التي تطفو على سطح الحياة، وكلنا يذكر كيف أن بعض التجار تلاعبوا بأسعار السلع الضرورية وغير الضرورية عندما أطلت الأزمة الاقتصادية وضربوا بالأسعار التي حددتها وزارة التجارة عرض الحائط، وها هم اليوم يظهرون بوجوههم الحقيقية في استغلال مأساة هذا الوباء المقلق، وبدلاً من أن يكونوا عوناً للناس في محاربته، ومساعدتهم بخفض أسعار المواد التي تساعد على الوقاية منه، إذا هم يتعاونون على تدمير الناس مادياً ومعنوياً. وعوداً إلى موضوع الكمامات، فقد أخبرني أحد الإخوة المترددين على مكةالمكرمة، أن سعر الكمامة الواحدة بلغ «5» ريالات وأحياناً «10» ريالات، وسمعت أيضاً أن وزارة الصحة وزعت كميات من هذه الكمامات على زوار المسجد الحرام ومن له صلة بدخوله يومياً كالجنود، والعمال، والمطوفين، وغيرهم، إلا أن بعض ضعاف النفوس منهم استغلوا هذه الكميات وقاموا ببيعها على الزائرين والمعتمرين، وهكذا نرى وجوهاً متعددة البشاعة تظهر لنا مع كل آفة أو نازلة تستدعي الوقاية والحيطة، ولم يقتصر الوضع على الكمامات الطبية فقط بل طال كل الأدوات التي يحتاجها الناس للنظافة الشخصية من معقمات، ومطهرات، ومناديل معقمة، والصابون السائل، والغريب أن هذه المواد كنت تجدها تباع في محال «كل شيء بريالين» ولا أحد يلتفت إليها إلا في ما يتعلق بمنظفات المنازل، أما الآن فقد قفز سعرها أضعاف ما كانت عليه، خصوصاً مع قيام المدارس بشراء هذه الأشياء وتأمينها في فصولها الدراسية، وزيادة الطلب عليها، وكلما زاد الطلب تضاعف السعر، حتى أضحت المأساة سوقاً رائجة لاقتناص الفرصة والمتاجرة بآلام الناس وأمراضهم، بل إن بعض المستشفيات الخاصة أوشكت أن تتلاعب بوزارة الصحة وبالمواطنين معاً عندما روجت لوجود لقاح للمرض متوفر لديها، إلا أن وزير الصحة حذر الناس من هذه الشائعات في شهر رمضان الماضي، وأكد أن لقاح أنفلونزا الخنازير لن يكون متوفراً - إذا ما وجد - إلا في مستشفيات الدولة الحكومية. لماذا يكثر دائماً في مجتمعنا الاستغلال للمآسي وترقب الفرص للانقضاض على الآخرين والتحالف مع الكوارث والمصائب والأوبئة ضد الإنسان الضحية؟ ألهذه الدرجة بلغ الجشع وحب التكسب على حساب الضحايا من الناس المذهولة والمرعوبة من الأعداد الهائلة التي تعرضت لهذا الوباء القاتل، واستنفارهم صغاراً وكباراً للتحصين، والوقاية؟ خصوصاً بعد أن تحالفت مواقع «الانترنت»، وبعض الأطباء، والكتّاب، بحملاتها على اللقاح الذي لم يظهر بعد، ومع ذلك يحصون مخاطره الجانبية، في حين أعلنت وزارة الصحة، أن موظفيها سيكونون أول من يستعمله، حقيقة نحن نعيش مأساة العقول المضللة، والنفوس الجشعة، في الوقت الذي تحتم فيه الضرورة على التعاون والتخفيف من الأعباء. [email protected]