القيادة تعزّي رئيس نيجيريا في وفاة محمد بخاري    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    4.2 مليار ريال استثمارات صناعية جديدة    (6,551 ميجاواط) سعة المشاريع.. 19.8 مليار ريال استثمارات "المتجددة"    "سدايا" تعزز الحراك التنموي بتقنيات الذكاء الاصطناعي    1.83 مليار ريال لبرامج تأهيل السعوديين لسوق العمل    جائزة التميز العقاري ترسيخ للتنافسية    تطوير القطاع المالي    الزهور الموسمية    غزة.. تصعيد عسكري يرفع حصيلة الشهداء إلى 100 وسط تفاقم الأزمة الإنسانية    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    عرض صخرة مريخية للبيع    "اعتدال و تليجرام" يزيلان 30 مليون مادة متطرفة    عراقجي: لن نقايض قدراتنا العسكرية.. طهران تستعد ل«رد مناسب» على آلية الزناد    السويداء تشتعل مجددًا ومقتل 4 جنود سوريين    الهلال.. ريادة تتجاوز الميدان إلى ضمير الإنسانية    الفيفا يختار بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    في ختام الأسبوع الأول من منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق VK Gaming يتوج بلقب لعبة Apex Legends    موجة حر قاتلة بإسبانيا    ضبط 393.4 كجم من المخدرات بعدة مناطق    بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية الورقي    أمانة جدة تباشر 167 حالة إنقاذ على الشواطئ    الإناث يتفوقن كما ونوعا بمعرض تشكيلي    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    عباقرة سعوديون يشاركون في "أولمبياد الرياضيات الدولي"    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    فوائد الخبز الصحية يوميا    لتعزيز سلامة وجودة الأدوية المتداولة .."الغذاء": تعليق تسجيل مصنع أوروبي بعد رصد تجاوزات حرجة    الربو وفسيولوجيا التنفس عند الحوامل    مدير الأمن العام يزور المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر ويبحث سبل تعزيز التعاون الأمني الثنائي    الأسواق السعودية بين مكاسب النفط وضغوط التضخم    ثلاثي الهلال ضمن التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    «المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر    السوبر.. هذه النتيجة!    مطالبات شورية باستقطاب رؤوس الأموال السعودية في الخارج    جمعية تأهيل.. صرحٌ إنساني تتوهج فيه الإرادة ويتجسد التميز    تقرير أعمال الهلال الأحمر على طاولة سعود بن نايف    القيادة تهنئ الرئيس الفرنسي بذكرى اليوم الوطني    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    187 ألف مستفيد من الخدمات الشاملة بالمسجد النبوي    الاتفاق يطير بموهبة إفريقيا    51 شهيدًا و143 مصابًا في قصف إسرائيلي على غزة    المزاد الدولي نخبة الصقور ينطلق 5 أغسطس في الرياض    رواد التأثير والسيرة الحسنة    تعامد الشمس على الكعبة المشرفة غدا الثلاثاء    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    فريق VK Gaming بطلاً لمنافسات لعبة Apex Legends بكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    ترجمة مسرحية سعودية للغتين    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    «جامعة نايف الأمنية» تحصد اعتماداً فرنسياً في عدة برامج    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولات «وحدة» عربية فاشلة ... لماذا؟
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2009

زار الأسبوع الماضي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الجمهورية العربية السورية. وأشارت الصحف العربية والعالمية إلى أن أهمية هذه الزيارة تكمن في جهوده في تنقية الأجواء العربية لمصالحات عربية بين الأطراف المعنية، وكأن الأصل في العلاقات العربية العربية هو الخلاف والانشقاق، وأن تحقيق حلم المواطن العربي البسيط في وحدة عربية من المحيط إلى الخليج بات هو الاستثناء. لقد مضى نصف قرن على استقلال معظم الدول العربية، وعلى رغم وحدة الدين واللغة والأرض، وعلى رغم كل الجهود المبذولة لقيام وحدة بينها على العموم، وقبل ذلك بين الدول الخليجية، أو بين الدول المغاربية، فقد باء معظمها بالفشل. بينما نرى بمقابل ذلك تصويت الايرلنديين للانضمام إلى الوحدة الأوروبية، علىرغم هوة الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي.
في 9 (أيار) مايو 1950، اقترح شومان، في الإعلان الذي يحمل اسمه، تأسيس الاتحاد الأوروبي للصلب والفحم، الذي أصبح واقعاً بعد معاهدة باريس بتاريخ 18 (نيسان) أبريل 1951، وأدى ذلك إلى إنشاء سوق مشتركة للفحم والصلب بين الدول المؤسسة الست: بلجيكا، وألمانيا الاتحادية، وفرنسا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وكان الهدف، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، هو إحلال السلام بين الأمم الأوروبية المنتصرة والمحتلة، والجمع بينها على قدم المساواة، وخلق التعاون من خلال المؤسسات المشتركة، ثم قررت الدول الست بعد ذلك، في 25 (آذار) مارس 1957، في معاهدة روما، إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية لتغطي سوقاً أوسع تشمل السلع والخدمات كافة، وألغيت الرسوم الجمركية بين هذه الدول بشكل كامل في 1 (تموز) يوليو 1986، وتم تطبيق سياسات مشتركة في الستينات، خصوصاً في مجالي التجارة والزراعة. كانت هذه المغامرة ناجحة إلى درجة أن الدنمارك، وايرلندا، والمملكة المتحدة قررت الانضمام إلى المجموعة في عام 1973، وكان ذلك التوسع الأول، من ستة أعضاء إلى تسعة، وفي الوقت ذاته تم اتباع سياسات اجتماعية وبيئية جديدة، وتأسيس صندوق التنمية الإقليمية الأوروبية عام 1975. وفي عام 1981 انضمت اليونان إلى المجموعة، وتبعتها إسبانيا والبرتغال في عام 1986، وقد عزز ذلك وجود المجموعة في جنوب أوروبا وجعل من الضروري جداً توسيع برامج المساعدة الإقليمية. وفي ماستريخت، في (كانون الأول) ديسمبر من عام 1991، بدأ التفاوض حول معاهدة الاتحاد الأوروبي، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 1 (تشرين الثاني) نوفمبر من عام 1993. أفضت الديناميكية الأوروبية الجديدة والوضع الجيوسياسي المتغير للقارة الأوروبية إلى انضمام ثلاث دول أخرى إلى الاتحاد في 1 (كانون الثاني) يناير 1995، وهي النمسا، وفنلندا، والسويد. إلى ذلك الوقت، لم يكن الاتحاد الأوروبي قد حقق الإنجاز الأكثر أهمية، ألا وهو العملة الموحدة، واعتمد اليورو في التعاملات المالية «غير النقدية» في عام 1999، وبعد ثلاث سنوات صدرت العملات والأوراق النقدية في 12 بلداً، وأصبحت تعرف بما يسمى «منطقة اليورو»، واليورو حالياً من العملات الرئيسة في المدفوعات والاحتياطيات إلى جانب الدولار على مستوى العالم.
ما أن زاد عدد الدول الأعضاء في الاتحاد إلى 15 دولة، حتى بدأت التحضيرات لتوسع جديد وغير مسبوق، ففي أواسط التسعينات، دول المعسكر السوفياتي السابق: بلغاريا، والتشيخ، وهنغاريا، وبولونيا، ورومانيا، وسلوفاكيا؛ ودول البلطيق الثلاث التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي: أستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا؛ وإحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة «سلوفينيا»؛ ودولتان متوسطيتان: قبرص، ومالطة، كل تلك الدول انضمت إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد .
وقد احتفى الاتحاد الأوروبي بهذه المناسبة بهدف المساعدة في استقرار القارة الأوروبية، وتعميم فوائد التكامل الأوروبي على هذه الديموقراطيات الناشئة، وفي كانون الأول (ديسمبر) من عام 1997 افتتحت المفاوضات بشأن العضوية، وتم توسيع الاتحاد ليضم 25 بلداً في الأول من مايو 2004 بعد انضمام 10 دول جديدة من الدول ال 12 المرشحة، وتلا ذلك انضمام بلغاريا ورومانيا في الأول من يناير عام 2007. تم ترشيح كل من بلغاريا ورومانيا للعضوية في عام 1995، لكن هذه العملية استغرقت وقتاً أطول من باقي الدول الأخرى، واكتملت أخيراً في الأول من يناير 2007 بانضمامهما إلى الاتحاد الذي أصبح عدد أعضائه 27 دولة. إن الاتحاد الأوروبي أكثر من مجرد كونفيدرالية بين عدد من الدول، بل هو بالأحرى دولة فيدرالية، وهو في الحقيقة نوع جديد من الهيكليات التي لا تدخل ضمن أي تصنيف قانوني تقليدي، فهو نظام سياسي موحد تاريخياً وتطور باطراد على مدى 50 عاماً. تشكل المعاهدات بين دول الاتحاد، أو ما يعرف بالتشريعات الرئيسة، أساساً لمجموعة أوسع من التشريعات الثانوية ذات التأثير المباشر في الحياة اليومية للمواطنين الأوروبيين، وتتكون التشريعات الثانوية بشكل أساسي من القوانين والأنظمة، والتوجيهات والتوصيات التي تتبناها المؤسسات الأوروبية. وتعتبر هذه القوانين، إلى جانب السياسات الأوروبية عموماً، نتيجة لقرارات يتم اتخاذها في المثلث المؤسساتي المكون من المجلس «الممثل للحكومات الوطنية»، والبرلمان الأوروبي «الممثل للشعوب» والمفوضية الأوروبية «وهي هيئة مستقلة عن الحكومات الأوروبية وتمثل المصلحة الأوروبية الجماعية».
من الحقوق الأساسية للمواطن الأوروبي الحق في السفر، والعيش، والعمل في أي مكان من الاتحاد، وتكفل معاهدة ماستريخت هذه الحقوق في الفصل الخاص بالمواطنة، وقد أصدر الاتحاد توجيهاً يؤسس لنظام من الاعتراف المتبادل بمؤهلات التعليم العالي، ويطبق هذا التوجيه على جميع مناهج الجامعات التي مدة الدراسة بها ثلاث سنوات فما فوق، وهو مبني على مبدأ الثقة المتبادلة في جودة أنظمة التعليم والتدريب الوطنية، ويمكن لأي شخص يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء أن يعمل في مجال الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى في أي مكان من الاتحاد، وذلك باستثناء النشاطات التي تختص بها السلطات العامة «الشرطة، الجيش، الشؤون الخارجية... الخ»، وبالفعل ما الذي يمكن أن يكون أكثر طبيعية من استخدام مدرس إنكليزي لتعليم اللغة الإنكليزية في روما، أو تشجيع خريج جامعي بلجيكي شاب على التقدم إلى فحص الخدمات العامة في فرنسا؟ ومنذ عام 2004، أصبح بإمكان المواطنين الأوروبيين الذين يسافرون ضمن أراضي الاتحاد الحصول على بطاقة تأمين صحي أوروبية، من الجهات العامة في بلدهم تغطي تكاليف المعالجة الطبية لدى الجهات الصحية عند تعرضهم لأي وعكة صحية في أي بلد أوروبي آخر. عززت معاهدة أمستردام، التي أصبحت نافذة عام 1999، مفهوم الحقوق الأساسية، واعتمدت اتخاذ إجراءات تأديبية بحق أي دولة عضو في الاتحاد تنتهك حقوق مواطنيها الأساسية، كما وسعت مفهوم عدم التمييز بحيث لا يقتصر فقط على الجنسية، بل ويشمل الجنس، والعرق، والدين، والعمر. وأعيد التأكيد على التزام الاتحاد بحقوق المواطنين في نيس في كانون الأول 2000، مع الإعلان الرسمي عن ميثاق الحقوق الأساسية في الاتحاد الأوروبي، وقد وضع هذا الميثاق في اجتماع ضم أعضاء البرلمانات الوطنية، وممثلين عن الحكومات الوطنية، وعضواً من المفوضية الأوروبية، وتحدد مواده ال54، تحت ستة عناوين: الكرامة، والحريات، والمساواة، والتكافل، وحقوق المواطنين، والعدالة. لقد أصبح الاتحاد الأوروبي قوة عالمية كبرى من النواحي الاقتصادية والتجارية والنقدية، وهو ميثاق بين دول ذات سيادة ومصممة على التشارك في المصير، وعلى دمج قدر متزايد من سيادتها، إنه طريقة لمعالجة الأمور التي يجب أن ينصب عليها الاهتمام الأوروبي: السلام، الرفاهية الاقتصادية والمادية، الأمن، الديموقراطية التشاركية، العدالة والتكافل، إن هذا الميثاق يتعزز ويتأكد في كل أوروبا، فقد اختار نصف بليون إنسان العيش في ظل سيادة القانون وبما ينسجم مع القيم الراسخة المتمركزة حول الإنسانية وكرامة الإنسان. فهل يتحقق الحلم العربي بمثل هذه الوحدة؟
باحث في الشؤون الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.