حمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشدة امس على حركة «حماس» التي اتهمها بالتهرب من استحقاق المصالحة الفلسطينية عبر شن حملة «مهاترات» ضده بسبب تأجيل النظر في تقرير لجنة غولدستون في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، وقال انه كان ولا يزال يعمل بمثابرة لتحقيق المصالحة «وانهاء الانقسام الذي فرضه الانقلاب الظلامي» في قطاع غزة.وفي كلمة الى الفلسطينيين وجهها امس، قال عباس «استمعت خلال الايام الماضية باهتمام الى النقاش الذي جرى حول تأجيل مناقشة التقرير (...) لكني لم اكترث للمهاترات التي انحدرت الى مستوى غير مسبوق من قبل حركة حماس وبعض القوى ووسائل الاعلام (...) والذي نرفض الانزلاق اليه». واعتبر ان هدف الحركة التي كانت انتقدت تقرير غولدستون ورفضته وشككت فيه عند صدوره، هو «التهرب من استحقاق المصالحة الوطنية وتكريس الامارة الظلامية» في قطاع غزة، مضيفا انها «تتساوق مع مخططات اسرائيل لضرب السلطة الوطنية واقامة الدولة ذات الحدود الموقتة وتخدم محاولات صرف الانظار عن تهويد القدس والاستيطان»، واتهم الحركة الاسلامية بانها «تركت الشعب (في غزة) يواجه آلة القتل الاسرائيلية وحيدا، بينما اختبأوا في الاقبية». واوضح عباس ان «قرار تأجيل مناقشة تقرير غولدستون اتخذ بناء على توافق كل المجموعات في مجلس حقوق الانسان، بهدف ضمان اكبر تأييد له، ولتجنب الوصول الى وضع يصعب معه اقراره وكي لا يتحول الى مجرد وثيقة تنام في ادراج المجلس»، مؤكدا ان السلطة رفضت ضغوطا مورست عليها من قبل الولاياتالمتحدة واوروبا وروسيا والصين لتعديل مشروع قرار بهذا الخصوص تقدمت به وشطب فقرات منه، واشار الى ان المشروع سيناقش في الدورة القادمة بعدما اصبح مسجلا رسميا في جدول الاعمال. في هذا الوقت بات واضحاً أن اتفاق المصالحة الفلسطينية لن يوقع في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وهو الموعد الذي حددته مصر، بعد تأكيد وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط أن «التأجيل أمر محتمل» قد يمتد «أسابيع عدة»، فيما استمرت التجاذبات بين طرفي الانقسام اللذين تبادلا الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيل إنهائه. ورداً على سؤال عن طلب حركة «حماس» إرجاء المصالحة، قال أبو الغيط خلال مؤتمر صحافي مع المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في القاهرة أمس، إن «هذا أمر محتمل، وهم يرغبون في التأجيل لبعض الوقت، وربما لأسابيع عدة». وكشف مصدر مصري موثوق به ل «الحياة» أن وفد الحركة الذي زار القاهرة أول من أمس «طلب تأجيل التوقيع شهراً»، لكن «ابلغناهم صعوبة التأجيل، وقلنا إننا متمسكون بالتوقيت الذي تم التوافق عليه مسبقاً معهم ومع الجميع، ولا نريد أن يحدث تأجيل عند كل أزمة». غير أنه لم يستبعد إرجاء الموعد «إلى أقرب وقت مناسب». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول في حركة «فتح» أن القاهرة «أبلغتنا بأنها سترسل إلى الفصائل كلها صيغة اتفاق مصالحة وموعداً للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير)، لتوقيعه الخميس المقبل من قبل فتح وحماس، على أن توقعه بقية الفصائل قبل العشرين من الشهر نفسه... وبعدها يعلن الجانب المصري أن الفصائل توافقت على اتفاق المصالحة». ولفت إلى أن أحد البنود ينص على أن «يصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً بحسب القانون الأساسي في 25 تشرين الأول (أكتوبر) يعلن من خلاله موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 26 حزيران (يونيو) المقبل»، على أن «يكون الاحتفال العلني بالاتفاق بعد عيد الأضحى المبارك». وتباينت ردود الفعل على طلب إرجاء المصالحة، ففي حين أيدته ثمانية فصائل فلسطينية مقرها دمشق، شددت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة «فتح» على رفضه، متهمة «حماس» بتعطيل إنهاء الانقسام، واستخدام أزمة «تقرير غولدستون» الذي يتهم إسرائيل بارتكاب «جرائم حرب» في غزة، «للتهرب من الحوار الوطني». وقال أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه بعد اجتماع ترأسه عباس في رام الله: «نرفض كل الذرائع والحجج التي تدعيها حماس للتأجيل ونعتبرها زائلة وباطلة». وأعلن دعوة المجلس المركزي للانعقاد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري «لدراسة التداعيات الخطيرة لقرار حماس». وأوضح أن «المجلس سيدرس إصدار مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في 25 كانون الثاني (يناير) 2010، بحسب موعدها الدستوري الوارد في القانون الأساس». أما الفصائل المنضوية تحت لواء «المؤتمر الوطني الفلسطيني» في دمشق، فأعربت عن تمسكها بضرورة إرجاء توقيع اتفاق المصالحة، بعد اجتماع لقادتها أمس برئاسة رئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل وحضور زعيم حركة «الجهاد الاسلامي» رمضان عبدالله شلح والأمين العام ل «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» أحمد جبريل. وجاء في بيان صدر عقب الاجتماع: «مع تأكيد الحضور على أهمية المصالحة وإنهاء الانقسام وتمسكهم بذلك، إلا أنه لا بد من تأجيل المصالحة إلى وقت لاحق بسبب الجريمة والفضيحة التي ارتكبت» بموافقة السلطة على إرجاء التصويت على «تقرير غولدستون» في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ودعا المشاركون إلى تنفيذ «ما تم التوافق عليه في حوارات القاهرة ببدء عمل القيادة الفلسطينية الموقتة إلى حين إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير». وفي غزة، انتقد عدد من الفصائل طلب إرجاء المصالحة. ودعت الجبهتان الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين إلى الالتزام بالموعد الذي حددته القاهرة، وحذرتا من خطورة استمرار الانقسام، فيما رأى ممثل الشخصيات المستقلة في الحوار الدكتور ياسر الوادية أن «تأجيل المصالحة سيجلب كوارث على الشعب الفلسطيني».