تسجل السوق الاستهلاكية الألمانية، تحديداً سوق السيارات، حركة نشطة لم تشهدها البلاد حتى في سنوات الانتعاش الثلاث الأخيرة، بفضل الزيادات في أجور العاملين في السنة الماضية ومطلع هذه السنة التي دفعت المستهلكين الألمان إلى شراء المنتجات الغالية الثمن بعد إحجام طويل. وأفادت النشرة الاقتصادية الشهرية ل«غرفة التجارة والصناعة الألمانية» بأن سبب الفورة الإيجابية الحاصلة حالياً في السوق المحلية هو تراجع سعر النفط الخام عالمياً والمواد الخام الأخرى التي انعكست تراجعاً ملموساً في أسعار السلع والبضائع والمواد الغذائية وفي معدل التضخم العام الذي كان تجاوز ثلاثة في المئة في نهاية 2008، وتراجع إلى 0.5 في المئة فقط في آذار (مارس) الماضي. وأسفر قرار الحكومة الألمانية بدفع 2500 يورو لكل مواطن يتخلص من سيارته القديمة لشراء سيارة جديدة أو عمرها سنة واحدة فقط، بهدف دعم قطاع صناعة السيارات الألماني، عن بيع 150 ألف سيارة جديدة، في حين بلغت الطلبات المقدمة من المواطنين للحصول على الدعم 1.2 مليون طلب. ولجأت الحكومة أخيراً إلى رفع سقف المبلغ المخصص ل«برنامج الدعم الاقتصادي الثاني» من 1.5 بليون يورو إلى خمسة بلايين يورو، على ان يستمر العمل بالقرار حتى نهاية السنة، ما يساعد في بيع مليوني سيارة جديدة محلياً، وينعش حركة سوق بيع السيارات الجديدة في البلاد بعد ان كانت شركاتها دقت قبل شهرين ناقوس الخطر. وأعلنت بعض شركات السيارات عن العودة إلى زيادة إنتاجها بعد تراجعه مطلع السنة، لكن هذا التطور الإيجابي لا يخفي وجود سلبيات للقرار الحكومي بحسب خبراء اقتصاديين ألمان حذروا من ان «الدعم الحكومي لصناعة السيارات سينعكس سلباً على مبيعات قطاعات أخرى، إضافة إلى هدر المال العام الذي لن يعود إلى خزينة الدولة قريباً». ورأى مراقبون ان خطوة الحكومة محض انتخابية لكسب ود شريحة كبيرة من المواطنين، قبل شهور قليلة من الانتخابات النيابية العامة. وأكدت «مؤسسة بحوث الاستهلاك» الألمانية ان رغبة الألمان في الشراء ازدادت أخيراً. وأوضح رئيسها كلاوس فوبنهورست ان هبوط أسعار منتجات الطاقة «ينعكس إيجاباً وكأنه برنامج مخصص لدعم النمو». ورحّب الخبير المالي أندرياس شويرله من مصرف «ديكا بنك» بالمساعدات التي قدمتها الحكومة لتشجيع المستهلكين، لكنه أضاف ان «من المبكر الحديث عن مرحلة تحول استهلاكي إيجابي». وينطلق خبراء كثر للمرة الأولى منذ سنوات من إيمان بقدرة الاستهلاك هذه السنة على التخفيف من هول الضربة التي سيتلقاها النمو الاقتصادي في البلاد الذي سيتراجع بمعدل قياسي هذه المرة بين ثلاثة وأربعة في المئة بسبب الأزمة العالمية. وتوقعت «مؤسسة بحوث الاستهلاك» ان تساهم حركة الاستهلاك بنصف نقطة إيجابية في النمو الاقتصادي هذه السنة. ومع ذلك، لا يتوقع أحد من الخبراء أن يعوِّض الاستهلاك بصورة كاملة التراجع الشديد الذي سيحصل في حجم الصادرات الألمانية وفي الاستثمارات. ويتخوف مسؤولون واقتصاديون من ارتفاع معدل البطالة في البلاد بصورة أشد وأسرع مما يتوقعه البعض، ويعتقدون ان حصوله سيكبح بسرعة رغبة المستهلكين ويعيدهم إلى التقشف، ما سيشكل انتكاسة اقتصادية جديدة. ويتوقع الباحثون في المؤسسة ارتفاع مؤشر الاستهلاك 2.6 نقطة في نيسان (أبريل) الجاري، من 2.3 نقطة سجلت الشهر الماضي، بعد تسجيله تراجعاً لأربع مرات على التوالي.