واحد من بين كل سبعة من سكان الأرض مهاجر، أي أنه بين سكان الكوكب البالغ عددهم 6.7 بليون انسان هناك بليون مهاجر، 740 مليوناً منهم مهاجرون في الداخل، أي داخل حدود دولهم. وأقل من 70 مليوناً من المهاجرين الدوليين إما ينتقلون من دولة نامية إلى أخرى، أو من دولة متقدمة إلى أخرى، و37 في المئة فقط من المهاجرين الدوليين ينتقلون من دولة نامية إلى أخرى متقدمة، وبالطبع فإن ثلاثة في المئة فقط تنتقل من دولة نامية إلى أخرى متقدمة. ونحو نصف مهاجري العالم الدوليين ينتقلون في داخل إقليمهم، ونحو 40 في المئة ينتقلون إلى دولة مجاورة. ونحو ستة من بين كل عشرة مهاجرين ينتقلون إلى دولة أخرى تدين بالديانة نفسها التي يدينون بها. ونحو نصف المهاجرين الدوليين نساء، وهي نسبة لم تتغير عبر العقود الخمسة السابقة. وعلى رغم أن النسبة الإجمالية للهجرة ظلت ثابتة منذ عام 1960، إلا أن هناك توقعات بتركز مهاجري عام 2010 في الدول المتقدمة. ففي عام 1960 كان نصيب المهاجرين الدوليين في أميركا الشمالية وأوروبا ودول الخليج 18،4 و19،6 و0،3 في المئة على التوالي، ويتوقع أن تكون النسب في عام 2010 في الأقاليم الثلاثة 26،6 و26،4 وثمانية في المئة. أرقام صادمة تعكس حقائق غير متوقعة وتدحض أفكاراً نمطية كانت رائجة حول الهجرة والمهاجرين ومشاكلهم ومستقبلهم صدرت في تقرير التنمية الإنسانية الدولي عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي وعنوانه «التغلب على الحواجز: قابلية التنقل البشري والتنمية». إنصاف المهاجر التقرير الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه يمثل إحدى المناسبات النادرة التي تنصف المهاجر ولا تتربص له معتبرة إياه عبئاً ونشاطه هامشياً وحياته غير مجدية. فالمهاجرون – حسب التقرير لمؤلفه الرئيسي جني كلوغمان- يعطون أكثر بكثير مما يأخذون، وأغلبهم يعظمون من شأن اقتصاد الدول أو المناطق التي ينتقلون إليها. فالهجرة تزيد من فرص العمل في الدولة المضيفة، ولا تطرد السكان الأصليين من سوق العمل، وتحسّن نسب الاستثمار في الأعمال والمبادرات السوقية الجديدة. وتشير الأرقام إلى أن المهاجرين من الدول الأكثر فقراً يحققون دخولاً مادية تقدر ب15 ضعف ما كانوا يحققونه، وتتضاعف نسب التحاق أبنائهم وبناتهم بالمدارس، وتنخفض نسب وفيات أطفالهم ب16 ضعفاً في الدول المضيفة المتقدمة. الكلفة الاقتصادية لكن الأمر لا يخلو من كثير من المشاكل، إحداها هي معضلة التكاليف المالية للحركة أي الهجرة، سواء الداخلية أو الخارجية. رسوم اعتماد المستندات، إنهاء الإجراءات الورقية، وأتعاب خدمات الوسطاء، ونفقات السفر، وأحياناً الرشى. والغريب أن الرسوم التي يتكبدها المهاجرون ذوو المهارات المتدنية أعلى من تلك التي يسددها نظراؤهم من ذوي المهارات المرتفعة. الطريف أيضاً أن «الوسطاء» أو «السماسرة» الضالعين في تسفير المهاجرين يلعبون دوراً محورياً في سوق العمل العالمي. كما أنهم يسدون الفجوات المعلوماتية، ويلبون المتطلبات الإدارية مثل توفير عرض عمل قبل التقدم بطلب للحصول على تأشيرة السفر، بل يقرضون المهاجرين أموالاً لتغطية تكاليف الانتقال المدفوعة مقدماً. وبلغة الأرقام، فإن واحدة بين كل عشر دول تزيد فيها كلفة استخراج جواز سفر على عشرة في المئة من متوسط الدخل السنوي للفرد. فمثلاً، المهاجرون الآسيويون الذين ينزحون إلى دول الخليج يدفعون في الأغلب بين 25 إلى 35 في المئة من الدخل المتوقع لهم على مدى عامين أو ثلاثة من عملهم في دولة المقصد. وإذا كانت الهجرة لأسباب اقتصادية تظل - إلى حد ما - مسألة لا تتسبب في حال تعذر تحقيقها في موت المهاجر، باستثناء ربما الموت جوعاً أو فقراً، فإن الهجرة لأسباب الصراعات والحروب لا خيار فيها. وفي حال نجح السكان في مناطق الحروب أو الصراعات في الفرار إلى دولة أخرى، فهم يجدون أنفسهم، لا سيما إذا كانوا من الفقراء أو المعدمين، في مواجهة مع صراع آخر، وهو السعي وراء تأمين مصدر للرزق، بالإضافة إلى المخاوف الأمنية والعداء الداخلي. ولكن تبقى الصراعات والنزاعات دافعاً لجانب ضئيل من المهاجرين للنزوح أو التنقل، فهم لا يمثلون سوى واحد على عشرة من التحرك الدولي، وواحد على عشرين من التحرك الداخلي. الأزمة المالية وعلى أي حال، فإن التفرقة بين المهاجرين لأسباب اقتصادية أو سياسية غير جائزة في ظل الأزمة المالية العالمية، فقد ألقت بظلالها على الجميع. وسرعان ما تحول الركود العالمي إلى أزمة في سوق العمل. وقد شهدت الكثير من المناطق انخفاضاً في عدد المهاجرين الجدد، كما عملت دول مقصد عدة على تشجيع العمال المهاجرين على ترك أعمالهم. يقول كلوغمان إنه يجب النظر إلى الركود كفرصة لإرساء دعائم جديدة للتعامل مع المهاجرين، فتعافي الدولي من الأزمة الراهنة يتوقع أن يعيد الأسباب نفسها التي ظلت تدفع بالمهاجرين للتنقل والحركة. ويرى التقرير أن الهجرة تفيد كلاً من الدول المتقدمة والنامية، إذ يمكن أن تكون الهجرة أداة إضافية من أدوات التنمية، متيحة الفرصة لأناس كانوا عاطلين عن العمل أو يعملون في وظائف هامشية في بلدانهم لأن يقوموا بأعمال منتجة في دول المقصد، وهو ما يوجه جانباً من مدخراتهم إلى عائلاتهم في دول المنشأ. هذه الأموال تساعد في زيادة نسب الإنفاق على التعليم والصحة، كما تعمل على رفع مستوى معيشة أسرة المهاجر في بلده. من جهة أخرى، فإن التحرك يضيف مميزات أخرى، مثل الأفكار الجديدة، ومهارات العمل، ونقل التكنولوجيا من دولة المقصد إلى دولة المنشأ. ويحذر التقرير من أن كل تلك المميزات لا يجب أن ينظر إليها أبداً باعتبارها بديلاً عن جهود التنمية في الدول النامية. لكن ماذا عن استنزاف الأدمغة في الدول النامية لصالح الدول المتقدمة؟ يعترف التقرير بأن هذه مشكلة تستوجب القلق، ويكفي مثلاً أن عدد الأطباء من غانا وجامايكا في الخارج أكثر من أعدادهم في بلديهم. إلا أن منع أو تقليص الهجرة ليس الحل الأمثل. والبديل هو تحسين ظروف عمل أصحاب تلك الأدمغة وتوفير البيئة غير الطاردة لهم في بلدانهم. المهاجرات بيئة أخرى طاردة ولكنها هذه المرة للنساء اللواتي يشكلن نحو نصف عدد مهاجري العالم. لكن وعلى الرغم من أن الهجرة كثيراً ما «تحرر» النساء، وتزيد من مستويات معيشتهن وعمالتهن، إلا أنها سلاح ذو حدين. فقد تجد المرأة المهاجرة نفسها عرضة للاستغلال وظروف بالغة الصعوبة. بالنسبة إلى المهاجرين من فئة العمال أو أصحاب المهن المهرة، نجد أن نسبة النساء أعلى من نسبة الرجال المهاجرين. أما بالنسبة إلى النساء اللواتي لا يصنفن تحت هذا البند، فإن الحال غالباً ينتهي بهن في الخدمة المنزلية وأعمال الرعاية وفي قطاع الأعمال غير الرسمي. ويشير التقرير إلى أن الابحاث التي أجريت في عدد من الدول العربية تشير إلى ظروف عمل بالغة السوء وتتسم بالاستغلال الشديد الذي يؤدي إلى وقوعهن في حلقة مفرغة من الفقر والعرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). المستقبل القريب ويلفت القرير الانتباه إلى أن تعداد العالم سيزيد بمقدار الثلث خلال العقود الأربعة المقبلة، وكل تلك الزيادة ستكون من نصيب الدول النامية، في حين ستتقلص وتنكمش وتشيخ شعوب الدول المتقدمة. ويستخدم التقرير هذه الحقيقة للمطالبة بالاعتراف بحقوق المهاجرين العاملين، ورفع الحظر الموضوع على تنقلاتهم. ويعضد ذلك بمعلومات متوفرة حول توجهات الرأي العام في نحو 50 دولة والتي تشير إلى قبول شعوبها فكرة الهجرة إليها في حال كانت فرص العمل متوفرة. التقرير - الذي يمكن وصفه بأنه بالغ الإيجابية وكذلك التحيز لمصلحة المهاجرين - يؤكد أن الهجرة ليست مسألة مثيرة للخوف، بل انه في إمكان الاطراف كافة الاستفادة منها. وينأى التقرير بنفسه عن تهمة «المثالية المفرطة»، أو المطالبة بالقضاء على الحدود الدولية، لكنه يدعو إلى تبني دول المقصد لثلاثة محاور: الأول هو ربط الحاجة الى المهاجرين بالطلب في سوق العمل، والتأكد من احترام المعايير الوطنية في التشغيل، وأخيراً احترام الحقوق. تقرير التنمية البشرية لعام 2009 يؤكد أن مخاوف دول المقصد مبالغ فيها، وأن الهجرة غالباً تكون أمراً اختيارياً، وأن السياسات قابلة للتنفيذ، ولكنها تحتاج شجاعة وإقداماً سياسيين.