مع وصول الركود الاقتصادي في ألمانيا إلى أقصى قعره، وبدء مرحلة استعادة نشاطه في البلاد، ولو ببطء، يتطلع رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد والمستهلكون والسياسيون بتفاؤل متزايد إلى المستقبل، الذي بدأت تعبَّر عنه أخيراً بصورة أوضح مؤشرات ودراسات معاهد البحوث الاقتصادية الألمانية والأوروبية والدولية، ويترجمه الارتفاع السريع في قيمة أسهم البورصات المختلفة. وفي هذا المجال اخترق مؤشر «داكس» في بورصة فرانكفورت بعد تسلُّق سريع خلال الأسابيع الأخيرة حاجز 5700 نقطة للمرة الأولى منذ عامين، وسط تفاؤل الخبراء الماليين بالمرحلة المقبلة. وتتسابق حالياً معاهد البحوث الألمانية والأوروبية ومؤسسات اقتصاد ومال دولية، على رفع توقعات النمو الإيجابية المنتظرة في الربعين الثالث والرابع من هذه السنة، بعد الاعتقاد الذي ساد لفترة طويلة بأنها ستكون سلبية. ورفعت أيضاً معدل النمو للعام المقبل 2010 بصورة لم تكن متوقعة قبل أقل من شهرين. وعلى رغم أجواء الارتياح والابتهاج السائدة حالياً في الأوساط المالية والاقتصادية، لم تخفت التحذيرات الصادرة من اقتصاديين ومسؤولين ماليين، تدعو إلى التروي في التفاؤل وعدم استهلاك المراحل بعد أسوأ أزمة ركود شهدتها ألمانيا وأوروبا والعالم منذ عقود. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) أن خبراء وسياسيين كثيرين أجمعوا على أن الاقتصاد الألماني والدولي لن يتجاوز أزمته الأخيرة في سرعة، وأن المخاض الذي يرافق النهوض من الركود سيكون عسيراً ومؤلماً في مراحل من مسيرته، بخاصة إذا أخذنا في الاعتبار الضمور الذي تشهده سوق العمل الألمانية بفعل توقع إفلاس قسم غير قليل من الشركات ولجوء الباقي إلى تسريح العمال، لا سيما في قطاع الصناعة. ويزيد هذا التطور، إذا حصل، البطالة في البلاد بصورة ملحوظة ابتداء من الخريف الحالي، حتى وإن سجلت تراجعاً غير متوقع خلال أيلول (سبتمبر) الماضي بنحو 125 ألفاً، في صورة فاجأت الكثيرين وخفَّضت معدل البطالة الحالي من 8,3 إلى 8 في المئة. واعتبر رئيس الوكالة الفيديرالية للعمل فرانك يورغن فايزه، أن الانخفاض الذي حصل كان نتيجة فورة فصلية نتجت من تحسن الاقتصاد الألماني في الربع الثالث من السنة الحالية، لكنه يبقى في رأيه انخفاضاً استثنائياً من ضمن محيط يؤشر إلى ميل واضح إلى تراجع وظائف العمل. وأكد أن التطور الإيجابي الطارئ يشير أيضاً إلى أن عدد العاطلين من العمل لن يرتفع نهاية السنة الحالية إلى أربعة ملايين كما كان مقدراً، ولن يصل إلى حدود خمسة ملايين نهاية السنة المقبلة، كما توقع كثيرون قبل حصول التغيير الاقتصادي الإيجابي المفاجئ في البلد وفي العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية. وبعدما ذكر فايزه أن عدد العاطلين من العمل في ألمانيا لن يتجاوز 3,5 مليون شخص في المتوسط هذه السنة، لفت إلى أن عدد العاملين بدوام جزئي بلغ 1،43 مليون شخص. وقياساً على عدد العاملين الإجمالي في البلاد، فإن كل خمسة عمال وموظفين من أصل 100 في ألمانيا يعملون جزئياً ويتلقون فرق أجورهم من الوكالة الاتحادية للعمل بالاتفاق مع أرباب العمل، الذين تعهدوا الامتناع عن تسريحهم طيلة المدة المتفق عليها وتتراوح بين ستة أشهر وسنتين. وكشف رئيس الوكالة الاتحادية للعمل أن عدد الذين عملوا بدوام جزئي منذ بدء الأزمة الاقتصادية بلغ 3,4 مليون يعملون في 130 ألف شركة ومصنع ومؤسسة. وأشار إلى أن الشركات الألمانية تقدمت خلال الشهر الماضي من جديد بطلبات عمل جزئي لمئة ألف عامل.