يكثر التفاؤل بالتحسن في العلاقات العربية – العربية نتيجة مبادرة الرئيس السوري بشار الأسد الى المشاركة في افتتاح جامعة الملك عبدالله في جدة الأسبوع الماضي واجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. إلا أن هذا التفاؤل نتيجة اجتماع الزعيمين يبقى مشوباً بالحذر، نظراً الى ندرة المعطيات التي تسربت في شأن ما دار خلال هذا اللقاء، وبسبب الذكريات السلبية عن تجارب سابقة راهن فيها الكثيرون على ارتقاء الوضع العربي من حال التردي التي سادت خلال السنوات الأربع الماضية الى حد أدنى من التفاهم وخفض منسوب الخلافات. وواقع الأمر أن الارتقاء بالعلاقات العربية الى مستوى جديد يحتاج الى جهد كبير، لا يقتصر على لقاء من هنا واجتماع من هناك على رغم أهمية هذه اللقاءات التي سببها الاختراق الذي حققه العاهل السعودي بمبادرته الى المصالحة وإنهاء الخلافات العربية في نهاية عام 2008 خلال قمة الكويت العربية والتي استكملت في لقاءات عدة حصلت في قمة رباعية مصغرة في الرياض ومن خلال القمة العربية العادية في الدوحة في آذار (مارس) الماضي. وبعد ما يقارب التسعة شهور على هذه المبادرة بدا أن إحداث تقدم يحتاج الى هذا الجهد الكبير لتنقية العلاقات العربية، الذي يهدف في الدرجة الأولى الى إعادة إمساك العرب بقضايا العرب، بدلاً من أن تكون على موائد المساومات الأميركية – الإيرانية، أو أوراقاً في يد إيران في المواجهات التي تخوضها مع الغرب. ويبدو أن إزالة عوامل الشك بإمكان تحقيق هدف تنقية العلاقات هذا لن تتم قبل مرور هذه العلاقات باختبارات تعيد الثقة، من أبرز مظاهرها التي يمكن أن تؤشر الى نجاحها، العودة الى صيغة التنسيق السعودي – السوري – المصري الذي حكم علاقة دمشقبالرياض والقاهرة والتوافق العربي لعقود أيام حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد. بل ان اللحظة التي يعود فيها هذا التنسيق الثلاثي الى أيامه السابقة سيكون منطلقاً لتعاطٍ عربي مختلف مع أزمات المنطقة، والأهم، حيال التعنت الإسرائيلي في ما يخص أسس العودة الى مفاوضات السلام في شأن القضية الفلسطينية. لقد شكلت العودة الى هذا التنسيق الثلاثي حاجة بالنسبة الى سورية، حال ارتباطها بالتحالف الاستراتيجي مع إيران دونها في الأعوام الماضية، نظراً الى أن طهران سلكت سياسات تعاكس المصالح الأمنية والقومية للدولتين الأخريين من أضلاع المثلث العربي، فسورية التحقت بهذه السياسات الإيرانية بلا تحفظ. ولجأت دمشق مع تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة والتزاماتها تجاه طهران الى إحداث توازن في علاقاتها الإقليمية عبر علاقتها مع الأتراك العائدين الى لعب دور يحتاجه الغرب الأوروبي والأميركي، من أجل اتقاء تداعيات التحاقها بالسياسة الإيرانية بفعل موقف الغرب منها، من جهة، ومن أجل التخفيف من وطأة التأثير الإيراني في دورها من جهة ثانية. فإحدى وظائف الدور التركي، إضافة الى طموح أنقرة إفهام الغرب أنها عنصر استقرار يمتد من أوروبا الى شرق آسيا وصولاً الى الشرق الأوسط، هو الحد من الاندفاعة الإيرانية في الساحات العربية والإسلامية. وإذا كان هذا المشهد الإقليمي يكفي للدلالة على المدى الذي أخذت التعقيدات دولاً الى تحالفات وسياسات ترتب التزامات ليس من السهل العودة عنها، فإنه في الوقت نفسه مشهد يمر بلحظة تنبئ بتعديل جوهري على بعض عناصره. إنها لحظة – مفترق في المنطقة بانطلاق التفاوض الإيراني – الغربي مجدداً والذي إذا ذهب نحو تسوية مع طهران فإنها تسوية يجري التحضير لها في وقت لم تخرج سورية بعد من تدهور علاقاتها مع الغرب بسبب انحيازها الى إيران. وإذا ذهبت نحو المواجهة فإنها ستترك تداعيات وترتب مسؤوليات على دمشق وعلى الدول العربية قاطبة يفترض المنطق تداركها (التداعيات). وفي الحالتين تفرض مصلحة سورية العودة الى تأمين المظلة العربية لموقعها الإقليمي ولحماية مصالحها. وتفرض على المملكة العربية السعودية ومصر السعي الى تأمين معادلة تعين الدول العربية على استيعاب نتائج أي تسوية أو أي مواجهة. إنها لحظة حاسمة بعد سلسلة من التجارب المخيبة. فهل تكون بدايات التجارب الناجحة في لبنان وفي فلسطين، التي تفيد ظواهر الأمور أن المصالحة فيها تشهد تقدماً من أجل الإفادة من اللحظة الإقليمية الشديدة التعقيد من أجل عودة التنسيق العربي الثلاثي؟