هناك تفاوت كبير بين الأرقام التي يذكرها بعض وسائل الإعلام المحلية في لبنان، حول تسريحات مفترضة من بعض أجهزة الإعلام المرئية (لا سيما أم.تي.في. و ال.بي.سي) وبين الأرقام الأخرى التي يتبرع بعض مسؤولي هذه الأجهزة بالاعتراف بها. والنتيجة أن لا شيء يبدو مؤكداً أو رسمياً، ولو كثرت البيانات والتأكيدات والتأكيدات المضادة. من هنا يتساءل المعنيون، من قراء وغير قراء: ما السر في هذا؟ هل هناك حملة مبرمجة تستهدف الإعلام اللبناني... أم أن ثمة أزمة حقيقية خانقة يعيشها هذا الإعلام؟ ويقف وراء هذا التساؤل واقع أن الإعلام «المستهدف» بمثل هذه الأخبار، سواء كانت صحيحة كلياً أم مبالغاً فيها، هو الإعلام الأكثر نجاحاً في لبنان... كما أن أسلوب التناول ورسم الخلفيات الصحيحة أو الافتراضية، يكاد يقول إن الأخبار «السكوب» التي تنشر وتبنى من حولها تحليلات متنوعة، تخفي في خلفياتها معارك وقضايا أخرى، منها ما يتعلق ب «الكشف» عن ديون متراكمة تستحق على مؤسسات ليست لبنانية، لمصلحة مؤسسات لبنانية. فالحال أن هذه الأمور تطل برأسها خلف الأخبار والأرقام التي تتصدر الموضوع برمته. في المقام الأول هناك بالتأكيد أزمة مالية خانقة تطاول الإعلام العربي ككل. لكننا نعرف منذ عام وأكثر أن المؤسسات الإعلامية، سواء كانت حقيقية كبرى، أم ثانوية أنشئت لغايات مختلفة بعضها غير قانوني أو غير فني أو غير إعلامي، تمكنت من تجاوز الأزمة، لا سيما في لبنان الذي نعرف أنه لم يتأثر كثيراً بالأزمة المالية العالمية. ومن هنا حتى وإن كانت للمسألة أبعاد غير مباشرة، وتأتي من خارج حدود لبنان، سيبدو غريباً أن يقدم الإعلام اللبناني على تسريح كل هذه الأعداد (المعلنة في أخبار الصحف، والمستنكرة من قبل مسؤولي المحطات أنفسهم)... ومن هنا يبدو لنا - على الفور - أن الخبر الحقيقي، ليس في الأرقام والتسريحات، التي تبدو في بعض الأحيان طبيعية ومنطقية وقابلة لأن تُفهم خارج نطاق البعد «الفضائحي» الصحافي للخبر، بل في هذا البعد الأخير... وهذا ما يدفعنا مرة أخرى الى التساؤل، وإن بحذر، عما إذا لم يكن في خلفية الأمر استهداف للإعلام اللبناني في شكل عام. وهو استهداف يكاد يذكرنا بما حدث عشية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، حين راجت مقولات تتحدث عن أن الإعلام اللبناني هو السبب في الحرب المقبلة! طبعاً قد تبدو هذه المقارنة بعيدة من الصواب إن جاءت تأكيدات الأيام المقبلة لتقول إن ثمة حركة تسريحات واسعة في الإعلام اللبناني، وهو الأمر الذي لم «تؤكده» حتى الآن سوى وسائل إعلام تنتمي الى لون واحد، تطاول به، فقط، محطات اعلامية تنتمي، قليلاً أو كثيراً، الى اللون الآخر. وفي انتظار كلام أكثر رسمية وتحليلات وأخبار أكثر موضوعية، قد يكون من الأفضل أخذ كل ما يقال بكثير من الحذر والتنبه، لا سيما على الصعيد اللبناني، بحيث لا يغيب الحديث منذ سنوات عن استهداف السلطات واحدة بعد الأخرى، من السلطة الأولى الى الثانية ثم الثالثة، وصولاً الآن الى استهداف الإعلام - وهو، مهما قلنا عنه، أحد مفاخر الحرية في لبنان -، بعد محاولات فشلت لاستهداف الجيش والقوات الأمنية والقضاء...