تكلل مشوار الكاتب والروائي عبدالله العبدالمحسن الأدبي طويل، أخيراً باتهامه بالعلمانية بعد صدور روايته الأولى «السواق»، والتي طالب فيها بحق المرأة في قيادة السيارة، واندفع بعدها، تحت مسماه الجديد، الذي استقر عليه أخيراً عبدالله العبدالمحسن، بعد أسماء عدة، تسببت في عدم نيله الشهرة التي يستحقها. في سباق محموم، يكتب المزيد من الروايات الاجتماعية، والساخرة، وبصفته عضواً، في لجنة الطباعة في نادي أدبي الشرقية، يتهم العبدالمحسن الأندية الأدبية بسوء توزيع مطبوعاتها، إضافة إلى إثارة عدد من القضايا الثقافية، هنا نص الحوار معه. لماذا عبدالله العبدالمحسن، رغم مشواره الأدبي الطويل، غير معروف كثيراً في الساحة الثقافية المحلية؟ - تستطيعين أن تقولي لعنة اسم. كيف يعرف من لاسمه ثلاث إحالات في فهارس المكتبة الوطنية؟ ومن يكتب بعدة أسماء، لا يستقر على واحد. بدأت الكتابة باسمي الصريح وأنا طالب في المتوسطة، ثم تحت اسم مستعار عبدالله المسلمي، واضطررت لتغييره لتشابهه مع اسم صريح، ثم عبدالله السالومي، وعبدالله محمد حسين، وعبدالله العبدالمحسن أخيراً، فلو توصل القراء الأعزاء إلى حاصل جمع تلك الأسماء سأصبح معروفاً. القدرة على إنتاج رواية كل سنة بعد عدد من المجموعات القصصية، أصدرت رواية «السواق»، وفي طريقك لإصدار أخرى، كما تعمل في الوقت نفسه على إنجاز الثالثة، كيف تفسر نشاطك الروائي المفاجئ؟ - نشاطي الروائي ليس مفاجئاً، كانت لي محاولات ساذجة، لم أرض عنها، كما شرعت منذ سنين في تدوين مشاهد ومواقف، تحديداً منذ عام 1985، عندما قطنت في شارع السويكيت، الذي سحب البساط من شارع الملك خالد بسبب عرضه حوائج النساء، والآن أغربل ما جمعت لأصوغها في رواية عنوانها المبدئي «كائنات السوق». لكن سؤالكِ المنطقي هذا، يتماس مع سؤال وجهه لي الناقد حسين بافقيه قبل سنتين أثناء الطفرة الروائية، بالقول: لديك تجربة قصصية تؤهلك لكتابة رواية، متى ستكتب؟ وأجبته حينها بأنني شرعت. كنت متردداً ومتهيباً من دخول عالم الرواية، لكن بعد أن رأيت حملة الأقلام يدخلون في مضمار الرواية أفواجاً، قررت أن أغامر وأدخل معهم لأغرد مع السرب، فلن أكون الأسوأ، فمحطات حياتي كثيرة وتحتشد بالحوادث، لقد عشت في شروط وظروف حياتية متنوعة، كما اطلعت على تجارب إبداعية عالمية كثيرة، وقرأت أمهات الأدب الكلاسيكي العالمي، والحديث المعاصر. كما قرأت في فن الرواية دراسات. وربما إلى ذلك يعود سبب ترددي وخوفي، فقد كان النموذج الذي أطمح إليه، مثالاً بعيداً، وأدركت متأخراً أنني إذا لم ألقِ نفسي في الماء لن أتعلم السباحة، قراءة كتاب في فن السباحة ليس كخوض التجربة. أغرتني الثمار التي ملأت الساحة، مددت يدي، فوجدت بعضها فجاً بلا عصارة، كأنما أنتجتها أشجار عطشى، وبعضها أصابه العطب بسرعة، قليل منها يستحق القراءة، وعندما قرأت، وجدت نفسي قادراً على تقديم ما يشبهه أو أفضل، وانكسر حاجز الخوف، وبلا غرور، أراني الآن، قادراً على إنتاج رواية كل سنة، ولن أبالغ وأقول ما قاله الكاتب الفرنسي سيلين «أنا قادر على أن أتغوط واحدة كل عام». أقول هذا لأنني أمتلك كل وقتي، لا يطالبني رب العمل بشطر منه، لأنني متقاعد، ولا أطفال أتابعهم، وزوجتي أكثر انشغالاً مني. لا أبالغ إذا قلت أشتغل يوميا من 8 إلى 14 ساعة، لذا أقول أنني قادر على إنتاج رواية كل عام. «السواّق» عنوان روايتك الأولى، ألا ترى أنه عنوان مباشر، لرواية رغم سلاسة سردها، وجمالياته، ذات طرح شديد المباشرة، وموجه؟ - العنوان كما يقولون عتبة النص، والسواق عنوان مشبع بدلالة سينمائية واضحة، تحيل دون مواربة إلى النص. اخترته بقصدية ليس الإيحاء المباشر فقط، بل بهدف الاجتذاب والاستفزاز، أردته أن يصل الجميع، والعناوين الشاعرية، لن تؤدي هذه المهمة في شكل سريع، ومباشر، وبسبب مباشرته هذه تحولت طاولة التوقيع في معرض الكتاب في الرياض أشبه بكرسي كهربائي للاستجواب، فبمجرد أن تقع عيون عابر على الرواية، يهاجمني بالسؤال: هل تؤيد سياقة المرأة، وثمة من اتهمني بالعلمانية لأنني طالبت بهذا الحق. المباشرة في العناوين أقوى وغير مخل وإلا كان أجدى بشكسبير الشاعر أن يبحث عن عناوين أخرى لروائعه: هاملت، عطيل، وتاجر البندقية، والملك لير، وتولستوي لروايتيه «الحاج مراد»، و«أنا كرينينا». المباشرة في العنوان لا تعني المباشرة في المعنى وسهولة البناء وإلا لكانت رواية جيمس جويس «أوليس» سهلة، تلك الرواية التي لا يمكن الولوج إلى مجاهلها، من دون التحضير لها بمعرفة سيرة مؤلفها وملابسات حياته وثقافته. من خلال الرواية، بدى تعاطفك الملحوظ مع البطلة «فاطمة»، كما نجحت في كسب تعاطف القارئ معها رغم تحفظاته على مدى صوابية قرار ارتباطها بسائق، هل هذا ما حملك على تغييب «سعد»، في منتصف الرواية تقريباً، ودون تدرج، وذلك مع بدء علاقته بهيا، لتترك للبطلة مزيداً من المساحة؟ - سأستعين بمقولة فلوبير: «أنا مدام بوفاري» لتفنيد تعاطفي مع فاطمة، فهي جزء مني، لأنها حاملة لأفكاري وقناعاتي، من يعرفني ويعرف منظومة أفكاري، ورؤيتي لمستقبل المرأة في مجتمعنا، سيتوصل إلى أن فاطمة تمثلني وتعنيني. من هنا ينبع تعاطفي معها، واندفاعي لتبني قضاياها، لأنها قضايا مجتمع يريد أن يتطور وفق قوانين تطور المجتمعات البشرية، مهما سعت بعض القوى لإعاقة الحركة التقدمية والحتمية، وستكون تلك القوى خاسرة، وسنخسر نحن الزمن الذي اعتدنا أن نبدأه متأخرين. ليعلم الجميع أن المرأة ما دامت قد خرجت من المنزل إلى العمل فستقود سيارتها يوماً، كما تعلمت على رغم محاولاتهم اليائسة لحرمانها من حقها في التعليم. قرار ارتباط فاطمة بسائقها غير مقبول في مجتمع يطلق المرأة من زوجها لعدم تكافؤ النسب، وينقسم الناس فيه إلى قبيلي وخضيري، لكن أؤكد لك أنه حدث فعلاً. إضافة إلى أنه لا يمكن مساءلة الرواية عن مدى مطابقتها للواقع، لأن المنطق الفني لا ينطبق بالضرورة مع منطق الواقع، تغيب سعد في منتصف الرواية كان من المفروض أن يحدث قبل ذلك، لأن علاقته بزوجته مأزومة منذ البداية. ظهر إقبال السائق كظل باهت منذ البداية، يتلقى الأوامر من فاطمة الكفيلة وزوجها ووالده، كان مثل نغم رقيق يصدر من كمنجة بمرافقة أوركسترا، لا يبرز إلا إذا تراجعت الآلات القوية، وأفسحت له المجال، ليظهر واضحاً، قوياً وآسراً، تميل إلى رجل يحترمها ويحبها، ويبادر إلى تلبية حاجاتها ويرافقها مثل الظل وليس فظاً، ولا ذميم الخلقة. النقد وتابو الجنس على رغم تماسك في الرواية مع تابو الجنس، لم تلاق الرواية كما في تجارب مماثلة صدى واسعاً، أو تحظى بقراءات نقدية، ما السبب في رأيك؟ - السؤال يتضمن تهمة للنقد بأنه لا يعتني بالإبداع، إلا إذا تماس مع تابو الجنس، إذا كان الأمر كذلك سنحمّل مسؤولية انجراف كتابنا نحو الأدب الفضائحي والبونوغرافي لجذب اهتمام النقد. أما الجنس في رواية السواق، فهو جنس مأزوم، وتجسيد صارخ للاستلاب، الذي تعانيه المرأة، جنس يمثل جانباً من الأزمة الوجودية للمرأة، لا اندفاعاً غريزياً. على ضوء روايتك المقبلة «شحنة غاز طبيعي»، والتي تطرح فيها رؤيتك من خلال قالب ساخر فن الرواية الساخرة، إلى أي مدى نجح فيه الروائيون السعوديون؟ وما أهميته في رأيك؟ - رواية «شحنة غاز طبيعي»، الساخرة تدفعنا إلى الحديث عن السخرية في الأدب، والذي كان وما زال من أمضى أسلحة النقد اللاذع من أجل التغيير. وفي تراثنا نجد له حضوراً قوياً ومميزاً، توسل بالسخرية شعراء كبار وأدباء، ومصنفات كتب التراث حافلة بالنماذج الرائعة نثراً وشعراً، يكفي أن نذكر رائعة الجاحظ الخالدة «البخلاء»، وابن شهيد الأندلسي، «رسالة التوابع والزوابع»، أما أدباؤنا المعاصرون، فهم كما قال الشاعر حسن السبع يخجلون من السخرية، ليبدوا جادين وحازمين، السبع هو الذي تجرأ وأصدر ديوانه الساخر «ركلات ترجيحية»، وإضافة له هناك من يكتب المقالة الساخرة، مثل حسين علي حسين وعبدالله بخيت، أما أعمال إبداعية فلا يحضرني، وأعتذر فلست ملماً بما في الساحة. روايتي التي سأدفعها للطباعة قريباً هي نص نتن قائم على السخرية اللاذعة، وهي في خارجها فكاهة، بيد أنها تنطوي على مأساة تراجيدية من معيار ثقيل، وكأنها تحقيق لمبدأ «شر البلية ما يضحك». الرواية تسخر من الأغلال والقيود التي نصنعها بأنفسنا، أو تصنع لنا ونتكبل بها، فيها دعوة لتحرير العقل والروح، وللدفاع عن الحرية الشخصية، البطل مثقف، تعب في تحصيل العلم، يصطدم بقوة همجية جاهلية، تريد أن تصادر حريته، فهب مدافعاً عنها، ولم يكتفِ بذلك بل سعى لتحرير زوجته من سجن وهم، وحاول أن ينقذ خاله من وهم مشابه.