إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    51% إشغال مرافق الضيافة السياحية    الذهب والفضة أبرز الملاذات الآمنة في 2026    «عيون الجواء».. تاريخ عريق ونمو متسارع    قيلة حائل    بيئات عسير تزدهر بالنباتات الملائمة للتشجير    زيلينسكي يوضح «الخطوط الحمراء» لأوكرانيا قبل لقائه ترامب    أبها يعزز الصدارة بالنقطة ال30.. والدرعية "وصيفاً"    الاتحاد يُعمّق جراح الشباب المتعثر    شرقي عن احتفالية "اللوتس": هالاند طلب مني فعل ذلك وأنا سعيد بتنفيذ وعدي    «أحمر القصيم» يُكرم روّاد العطاء    حضور لافت للصقارات بمهرجان الملك عبدالعزيز    السديس يدشن أعمال اللجنة الاستشارية للغات والترجمة    خطيب المسجد الحرام: ظُلم العباد يقود إلى الهاوية والضياع    «القصيم الصحي».. اعتماد سباهي ل «الأفق» و«ضليع رشيد»    الاتحاد يتغلب على الشباب بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والأمراء 2025    محافظات جازان تبرز هويتها الثقافية والشعبية    لماذا نرغب بالحلوى بعد وجبة دسمة    الزيّ التراثي يجذب الأنظار في مهرجان جازان 2026    متى يكون فقدان الصوت خطيرا    تصعيد حضرموت: تحذير للتحالف وتحركات لاحتواء الانفلات الأمني    «صدى الوادي» يتجلى مع الطلاسي والتركي و«حقروص»    التعادل الإيجابي يحسم لقاء القادسية وضمك في دوري روشن للمحترفين    رفض إفريقي وعربي لاعتراف إسرائيل بأرض الصومال    القبض على إثيوبيين في جازان لتهريبهم (108) كجم "قات"    متحدث التحالف لدعم الشرعية في اليمن: التحركات العسكرية المخالفة سيتم التعامل معها لحماية المدنيين    .. وتدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في مدينة حمص    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    كوميديا التواصل الاجتماعي    على خشبة الموت    تحويل الفصول إلى مصانع صغيرة    (117) دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الآخرة    الخارجية اليمنية ترحب ببيانات عربية ودولية ثمّنت جهود السعودية بشأن تطورات حضرموت والمهرة    «واحة الأمن» تستعرض جاهزية الأفواج الأمنية في مهرجان الإبل    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    حملات ميدانية تضبط 18,877 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    موقف فابينيو من العودة للدوري البرازيلي    منطقة "هذه جازان" تحيي فعاليات مهرجان جازان 2026 وتستقطب الزوار    مدير هيئة الأمر بالمعروف بجازان يزور التدريب التقني ويبحث تعزيز البرامج التوعوية المشتركة    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    سعيد بن قزعة أبو جمال في ذمة الله    برعاية أمير منطقة جازان.. مهرجان جازان 2026 يستهل مشواره بانطلاقة كرنفالية كبرى    جمعية التنمية الأهلية بأبها تحتفي باليوم العالمي للتطوع واختتام مشاريع 2025 ضمن "رواية عقد"    ‏نائب أمير منطقة جازان يستقبل نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    نائب أمير منطقة جازان يلتقي أيتام "إخاء"    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير المملكة بنيبال    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل السياسة فعلاً قذرة؟

هناك تصوّر سائد بأن السياسة «قذرة»، وأنها دنس يجب التطهر منه والبعد عنه، هذا التصوّر يلح على أن القرب من السياسة ابتعاد عن الأخلاق والقيم والمبادئ، وهو ما دفع ويدفع الكثيرين من المدافعين عن حقوق الإنسان (المندمجين في المعترك السياسي بشكل يومي) للتبرؤ من تسمية عملهم بالسياسي، واختلاق فروقات لا معنى لها بين العمل الحقوقي والسياسي، أو أنهم يصورون تعاطيهم للسياسة كأكل لحم الخنزير، أي محظور لم تبحه إلا الضرورة، والسؤال الملح هنا هو التالي: هل فعلاً السياسة قذرة؟
العودة إلى النصوص الفلسفية القديمة تكشف لنا تصوراً يجعل السياسة أبعد ما تكون عن القذارة، فأرسطو يعرّف الإنسان بأنه «حيوان سياسي»، أي أنه جزء رئيس من تكوينه بل ما به يتميز عن الحيوان هو أنه يتعاطى السياسة. والدولة بالنسبة لأرسطو التي كانت في عهده على شكل الدولة المدينة، «تأتي للوجود لأجل الحفاظ على الحياة، وتستمر في الوجود لأجل تأمين الحياة الفاضلة». فالسياسة، بالنسبة إليه هي الفضاء الذي يتيح للفرد أن يكون فاضلاً من دون توافر الدولة على هذا الفضاء المفتوح، فإن هذه الدولة ليست سوى تحالف بين مجموعة الأسر ولا وجود للسياسة فيها. بالنسبة إلى أرسطو، السياسة مرتبطة بالشأن العام، والاهتمام به والإخلاص له، وهذا الارتباط به إنما هو الطريقة التي تمكّن الدولة أفرادها من التحلي بالفضيلة.
هذا المعنى للسياسة تلاشى في العصر الحديث، فعلى بوابة هذا العصر تطالعنا «المقالة الثانية في الحكومة» لجون لوك التي يبحث فيها مسألة الدولة التي يرغب في إنشائها. يبدأ لوك من حال افتراضية يسميها «حال الطبيعة»، والتي يصف فيها الأفراد في فضاء من الحرية المطلقة، ثم يبدأ بتعداد عيوب «حال الطبيعة». فبالنسبة إليه، تتأسس الدولة لتفادي هذه العيوب مع الإبقاء على كافة ما سوى ذلك من مزايا حال الطبيعة. أي أن الدولة تنشأ عبر عقد بين الأفراد، يسلمون فيه حريتهم المطلقة مقابل الحفاظ على أملاكهم وأرواحهم، وما تبقى من حرياتهم، هذا العقد مهدد بالنقض في حال تجاوزت الدولة الحفاظ على هذه الحقوق\ الثلاثة.
فالدولة بالنسبة إلى لوك، كما يقول ناثان بروان، لا تعني سوى الشق الأول من عبارة أرسطو، أي أنها تنشأ للحفاظ على الحياة، في حين أن الشق الثاني لا وجود له، أي أنها تستمر بالوجود لأجل تأمين الحياة الفاضلة. فالهدف الرئيس لوجود الدولة، كما يقول: «هو حماية الملكية».
هذه الرؤية التي تعتبر أحد الأصول الرئيسة لليبرالية السياسية تشكلت في ظروف وسياق محاولة أصحاب المصالح الخاصة من الطبقة الوسطى الناشئة للسيطرة على الدولة والاستفادة من نزعاتها التوسعية، لتوسيع نطاق استثماراتهم ومراكمة ثرواتهم. فجون لوك نفسه كان منظراً رئيساً لآنثوني آشلي كوبر الذي كانت له استثماراته العابرة للقارات، والذي كان يدافع عنها في البرلمان البريطاني، وكانت «المقالة الثانية» لجون لوك مكتوبة في سياق الرؤية السياسية التي تتناسب مع الدفاع عن هذه المصالح.
إلا أن غزو المصالح الخاصة لعالم السياسة يس محصوراً في تلك الفترة أو هذا القطر، بل السمة الرئيسة لعمليات تاريخية كبرى - التحول للاقتصاد الرأسمالي، تشكل الدولة الحديثة، تغيّر حدود الفضاء العام والفضاء الخاص- التي جعلت من الفضاء السياسي مختزلاً في الصراع بين المصالح الخاصة تحت يافطة الصراع على المصلحة العامة. هذا التحوّل في معنى السياسة هو الذي لطخها وجعلها تكتسي سمعتها «القذرة» المنتشرة هذه الأيام. وهذا الأمر مفهوم إذا ما كان المقصود بالسياسة هنا الدخول في لعبة المصالح الخاصة والدفاع عنها، كما حدث لحركة فتح الفلسطينية التي أدى دخولها السياسة وتورطها في شبكة المصالح الدولية إلى تحولها من حركة تحرر وطنية إلى فصيل سياسي ذي مصالح محددة، يبرر الحفاظ عنها بالمصلحة الوطنية الفلسطينية. إلا أن هناك رفضاً آخر للسياسة ليس مفهوماً، وهو رفضها لطبيعتها التفاوضية، طبيعتها التي تفرض على المنخرط فيها الاعتراف بموازين القوى، وتحصيل المطلوب ضمن هذه الموازين، وتقديم التنازلات، والتفريق بين المبادئ والوسائل التي تحققها... إلخ.
رفض هذا المعنى للسياسة انطلاقاً من الحفاظ على المبادئ، رفض للفضاء السياسي بأكمله. قد يكون هذا الرفض خطوة أولى نحو الراديكالية. وهذه الخطوة ليست بالضرورة خاطئة، بل يجب أن تكون محسوبة، إذ أنها في رفضها الفضاء السياسي تجعل العنف الوسيلة الوحيدة لتحقيق المبادئ. والعنف - وإن كان وسيلة حكمها حكم ما تستخدم فيه - إلا أنه وسيلة خطرة. وقد يؤدي رفض الفضاء السياسي إلى الانكفاء والشلل، والتحول إلى المثالية، وعند هذا المستوى تصبح المبادئ هي حبل المشنقة الذي خنق الأخيار - أو من يتصورون أنفسهم كذلك- بها أنفسهم.
* كاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.